عندما نستيقظ كل فجر على دم جديد، فإن
الوطن يتحول إلى مقبرة جماعية، تستقبل كل يوم دموع أم وأنين أطفال وحسرة زوجة وجسد
ميت يحتضنه علم مصر، شهيد جديد يضاف إلى القائمة التي اختارها القدر لتفتدي الوطن
وأبناءه وتسدد عنه فاتورة الغباء السياسي والعجز الأمني والبغاء الديني الذي يمارسه
الجميع ضد الجميع.
عندما نصبح كل يوم لنجد أنفسنا جميعًا
في طابور انتظار الموت.. نترقب انفجار القنبلة.. نترقب حصادها.. نترقب ردود الفعل
من لطم وعويل.. نترقب قرارات حكومية باهتة.. ونظرات عدائية شامتة.. نترقب اليوم
لينتهي.. لننتظر يومًا جديدًا.. لنترقب..
أيها الأخوة ..
أستعيرها من خالد الذكر «جمال عبد
الناصر»، الذي استسلم قبل عشرات السنين لنصائح رجاله، وقرر أن يواجه تنظيم الإخوان
أمنيًّا واستمر من بعده الجميع، إلا من رحم ربي من رجال أعملوا عقولهم فتعاملوا مع
هذا الملف ببعض التفكير، فأوقفوا نزيف التكفير المجتمعي الذي سنته هذه الجماعة
الأم وبناتها من جماعات الدين السياسي بكل بطونه وقوالبه وتياراته.
أيها الأخوة .. والأخوات ..
إن الموت يقف على باب كل منا، وإن كان
قدرنا أن نموت جميعًا فلنمُت وصدورنا مفتوحة، نواجه عدوَّنا بكل شموخ وكبرياء، لا
يليق بنا أن ننتظر الموت خائفين خانعين نركض ركض جبان خنيث يطارده شبح الموت في كل
لحظة وفي أي مكان. فلتعلموا قبل أي شىء أنها حكمة الله وإرادته؛ يدرككم الموت
أينما تكونوا، فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تخشوا إلاه، عز وجل.
بني وطني..
ماذا نحن فاعلون في مواجهة عدونا؟ ماذا
سنعد له من قوة ومن رباط الخيل كي نرهبه؟ وقبل أن نجيب عن أول السؤالين، تعالوا
نتفق أولاً على هذا العدو ووصفه، ونسميه باسمه ونشير إليه بأصابعنا دون تردد أو
شفقة، عدونا يا إخواني هو هذه الجماعة المارقة وإفرازاتها من جماعات شقيقة، أكدت
الأعوام الثلاثة الماضية أنها حاضنتهم وملهمتهم في كل أعمال العنف التي يرتكبونها
في حق أبناء الشعب المصري، أعني -وبكل وضوح- من سموا أنفسهم الإخوان المسلمين
كذبًا وزورًا وبهتانًا، هؤلاء الذين خانوا الله وأساءوا للإسلام في كل مكان وزمان.
لقد أفسدت هذه الجماعة -وما زالت- حياة
المنطقة بأكملها ولوَّثت ودنست دولاً ودمرت شعوبًا عربية مسلمة بمنهجها الفكري
الفاسد ومشروعها السياسي الفاشي وحولت جسدها المهترئ لعاهرة يمتلكها من يدفع المال
المطلوب، وما أكثرهم طيلة ثمانين عامًا، لم تتورع فيها عن مضاجعة الجميع مقابل أن
تؤسس تنظيمها الدولي؛ وتخطط لحلمها الماجن الذي استلهمه حسن البنا من تيودور هرتزل، مؤسس
الصهيونية العالمية.. إن بني إخوان وبني صهيون وجهان لمشروع واحد لإفساد حياة
الناس تحت غطاء الدين، بتدجينهم وتجييشهم وفق أهداف ومشروعات محددة ترعاها قوى
الشر التي تتحكم في العالم من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه.
لن أستطرد أكثر في الحديث عن الجماعة؛ فما
كانت تجهله أجيال جديدة من شباب مصر عندما قامت ثورة 25 يناير 2011 ودفعها
لتسقط في براثن هؤلاء الفَسَدة من تجار الدين، عرفته في عام واحد تحت قيادة
«المرسي» وبتجربة عملية وعلنية، وأدرك الجميع مآثر الإخوان الذين أدخلونا، مع
«مبارك» ونظامه، هذا النفق المظلم الذي لن نخرج منه إلا إذا تمردنا على طرقنا
التقليدية في التفكير وخرج منا من هداه الله إلى إبداع مختلف في طرق التعامل مع
هذا الملف المصيري الذي لن ينهيه إلا هدف واضح، هو القضاء النهائي على هذا السرطان
الذي ينهش جسد وطننا وأمتنا.. حافزنا هو هذه اللحظة التاريخية النادرة التي تكاتفت
فيها أيادي الأشقاء في كل من السعودية والإمارات مع مصر لمواجهة خطر وإرهاب وفساد
هذه الجماعة الملعونة، وهي سابقة لم تُكرَّر مع هذه الجماعة التي كانت تستغل
دائمًا الخلافات المصرية - السعودية والتنافس السياسي بينهما كسبيل لها لتحقيق
مكاسب أسهمت إلى حد كبير في تنامي دورها وانتعاش اقتصادها.
بني وطني ..
قبل أن نعلنها حربًا شرسة لاجتثاث جذور
هذا التنظيم من قلب وعقل كل عربي مسلم، يجب أولاً أن نفتح أبواب التوبة للجميع،
يجب أن نجد مخرجًا لإنقاذ آلاف الشباب المخدوعين الذين تورطوا و«تأخونوا» -أو
احترموهم- وبخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة التي منحت فيها الدولة المصرية هذا
التنظيم شرعية قانونية لم يحصل عليها من قبلُ، وهو ما أغرى بعض الوطنيين الغيورين
على دينهم كي ينضووا تحت لواء الجماعة المخادعة، وانخرطوا في تنظيماتها وفعالياتها
حتى انقلب السحر عليهم في «رابعة العدوية» في أعقاب 30 يونيو 2013،
واستغلت قيادات الجماعة آلاف المتدينين بفطرتهم ممن ورطتهم الظروف أو ممن تم غسل
أدمغتهم، طوال الشهور الماضية، تحت راية تحالف الشرعية الوهمية التي روَّجت لها
الجماعة وأنصارها.. إن هؤلاء في ورطة حقيقية الآن، ومَن منهم يتمنى أن يعود إلى
صفوف الوطن يجد الأبواب كلها موصدة أمامه؛ فماذا تظنونه فاعلاً؟ إننا دون أن نعي،
بإهمالنا شرائح عدَّة من هذا التنظيم ربما تتمنى أن تتوب، نُمد هذه المارقة بزاد
من البشر يُستخدم كواجهة بشرية للتجييش والحشد، وربما لارتكاب حماقات وجرائم تنطوي
تحت عباءة الإرهاب.
علينا أن نتكاتف لننقذ بعض بني الوطن
الذين ما زال فيهم عقل ويريدون أن يقفزوا من مركب الجماعة الغارق لا محالة، أو بعض
هؤلاء ممن على أعتاب طريق التوبة ويُرهَبون من قِبَل الجماعة بما سينالهم من بطش
أمني ندركه جميعًا حتى لو بخيالنا.
إن إشعال الحريق عمل يسير، لكن إخماده
مشقة تتطلب حكمة وجسارة وجدًّا، ليس من العقل أن نسكب البنزين على الحريق أو أن
نتخيل أن الماء سيخمد نارًا تلظَّى، إن الجسد المحترق يحتاج يدًا قوية تنتزعه من
وسط النار وتدثره ببُردة من نسيج الوطن وتخرج به بعيدًا.
وحتى لا يكون حديثي مجرد «فش خلق» أو «طق
حنك» سأحاول أن أكون أكثر عمليةً باقتراحًا أراه يمثل جزءًا من الحل، أما بقية
الأجزاء فسأوجزها في خاتمة المقال وسأفصلها في مقالات تالية ربما تحمل العنوان
ذاته.. واقتراحي يأخذ شكل مبادرة أتمنى على الله أن تجد طريقها إلى نهر الإعلام
السيَّال، لعلها تصل إلى صانع القرار وتتحول إلى فعل حقيقي ينقذ هذا البلد من
محنته، ويوقف نزيف البشر المستمر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى اليوم.
مبادرة التوبة المشروطة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق