الثلاثاء، 30 يونيو 2020

‫خطيئة يوسف ‬



أخطأ الممثل #يوسف_الشريف في حواره التلفزيوني الممتع والذي أجراه معه الإعلامي المحترم رامي رضوان على فضائية «dmc»، عندما أقحم نفسه في حقل ألغام فكري (ديني وسياسي)، بتصريحه عن الشروط التي يُضمنها أي تعاقد فني يقوم به، أهمها امتناعه عن تصوير أي «مشاهد ساخنة»، وهو ما وضعه على أسنة رماح النقد منذ أن أذيعت حلقة البرنامج الجمعة الماضية، واشتعلت مواقع التواصل بين مدافع ومهاجم عن بطل مسلسل «النهاية» الرمضاني الناجح، وتبارزت ألسنة الخلاف الفكري وتم الزج بالدين في الحوار حول الأخلاق، و تناثر غبار سياسي ظلل المشهد برائحة إخوانية أفسدته.

قبل أن نكمل، أود أن أوضح اتفاقي مع رؤية يوسف الشريف الأخلاقية، وما ذهب إليه من ضرورة تقديم صورة محترمة للدراما المصرية خالية من أي ابتذال أو مشاهد تخجل الأسرة ان يشاهدها أبنائها على شاشات تنتمي إلى الدولة المصرية وتديرها شركة وطنية مدعومة من الدولة، وقد تابعت معظم مسلسلاته منذ أن تم تصعيده في أدوار البطولة مع مسلسل «المواطن إكس» في عام 2011، لكني مختلف معه في جهره بالأمر، لأنه فتح بابا من أبواب الفتنة، واختزل تصريحه «العنتري» في مساحة مغازلة نجم مشهور لجمهوره، مثله مثل آخرين من زملائه يغازلون فئات أخرى بـ «اللمبورجيني» وأخواتها.

ظني أنه كان يجب عليه أن يكتفي بتطبيق ما يراه صحيحا دون إثارته علانية، خاصة فهو نجم مطلوب ويستطيع فرض أي شروط يرغب فيها على الشركة المنتجة، وهو ما يحدث معه منذ سنوات ويعلمه الوسط الفني والإعلامي تفصيلاً، ولم يعترض عليه أحد.

(خطيئة يوسف) وتنصيبه لنفسه (دون قصد) حارسا على الفضيلة وحرمانه لزملائه منها (لأن بعضهم بالطبع يلامس النساء درامياً)، تتلاقى مع فكر الإخوان المسلمين (ومعظم التنظيمات الدينية) التي تحتكر الإسلام لنفسها وتنزعه عن المخالفين لها بشكل غير مباشر، بداية من اختيار اسم التنظيم  ومروراً بمنح العضو درجة من التميز بمنحه لقب «الفرد الاخواني»، نهاية بقدسية خاصة تلتصق بـ«الجماعة» في وجدان أفرادها.

وقد تشرفت بنقاش موضوعي مع الإعلامي المحترم #رامي_رضوان عبر موقع التواصل الإجتماعي «تويتر» حول برنامجه وخطيئة يوسف، حيث قال مدافعاً عن ضيفه: «اختلف معك أستاذ محمد، فقد أوضح يوسف أنه لا يزايد على أحد ولا يقول انه افضل.. وابدى عدم ارتياحه لهذه النوعية من المشاهد وهي حرية شخصية له كفنان.. ومصطلح (تديين الفن) أراه غير موفق لأن الفن الوانه ومدارسه كثيرة ولا يمكن تعميم وصف عليه ولا اختزاله في مدرسة واحدة.. كما أن يوسف لم يطرح الأمر إلا بعد طرحي للسؤال. ويمكن لو تابعت إجابته مرة أخرى ستجد انه حاول ان يطرح وجهة نظره دون الإساءة لغيره أو ادعاء فضيلة».

وكان ردي عليه: « أولا: شكرا لسعة صدرك وتحاورك الراقي الذي عهدناه فيك دائما.. ثانيا: انا من المعجبين بيوسف وأعماله واحترمه لرفضه للمشاهد الساخنة.. خلافي مع تصريحه بذلك علنا.. لأنه وضعه في حيز آخر للنقاش وجعل منهجه الأخلاقي تحت طائلة النقد والتجريح فادخل عمله الطيب في دوامة اللغط، ثالثا: دعني أسألك ماذا لو أنك شخصيا قررت أن تستهل حلقات برنامجك بأيات الذكر الحكيم؟، يمكن أن تقوم بذلك في سرك، وهذا لن يشغل أحد أو يهمه.. لكن كيف سيكون الوضع لو طلبت احضار مقرىء خصيصا ليفعل ذلك قبل كل حلقة، واشترطت على ذلك في عقدك مع #dmc ؟، وماذا سيكون رد فعل جمهورك وزملائك الإعلاميين؟؟، اتمنى يكون التشبيه قرب لك فكرتي، وأخيرا: فيما يتعلق برد يوسف عليك.. كنت أتمنى ان يراوغ في الرد ولا يدخل في تفاصيل.. وهو بنفسه أوضح ان هناك زملاء يفعلون ما يفعله دون أن يقولوا.. لكن تصريحه ومسألة شروط العقد دي صعبة شوية.. وأعطت الموضوع بعد تاني».

لقد فتح الشريف النار على نفسه بـ «تديين» الفن، ورغم أن المندفعين لينهشوا يوسف يعلموا عن شروط وأفعال «مشينة» يفرضها نجوم اخرين من ممثلين ومخرجين، يكفينا أن أحدهم دأب على إفساد الذوق العام ولم يحاسبه أحد على جرائمه الفنية والغنائية، فيما أظن أن يوسف الشريف سينحر على مذبح الثقافة المصرية لأنه تم ضبطه يمارس الأخلاق في فنه، وهو أمر محير.

 



الأربعاء، 24 يونيو 2020

فن الحرب.. و«رذيلة» الاعلام



شردت عيني عندما أبعدتها عن شاشة الكمبيوتر المزدحمة بالأخبار الخطيرة والمثيرة، فتجولت بين رفوف الكتب المصفوفة بعناية وترتيب في مكتبتي الخاصة، وتوقف بصري أمام عنوانين ارتبطا بما كنت أتابع من أحداث، أولهما من تأليفي وصدر نهاية عام 2019 وهو كتاب «الصحافة: عندما تصبح المهنة رذيلة»، والثاني كتاب «فن الحرب» للفيلسوف العسكري الصيني (سو تزو) والصادر قبل 2300 عام، ورغم الفارق الزمني الشاسع بين الكتابين إلا أن كليهما يمثل عصارة فكر وخلاصة تجربة، ومع الفارق الشاسع بين المؤلفين والذي يأتي (بالطبع) لصالح (تزو) الذي انتشرت مقاطع كتابه عبر العصور وشكلت إعصاراً من الأفكار والنظريات والسياسات لدول وشعوب بل لأشخاص ناجحين، ورغم مرور السنين ما زال الكتاب مصدراً لإلهام الملايين حول العالم، ومصدراً لاستراتيجيات عسكرية مؤثرة.
في الأول، توقفت عند المقال الذي أتخذه المؤلف عنواناً لكتابه، والذي يناقش سر تحول مهنة الصحافة إلى «رذيلة» في سنوات قليلة، وأرجع المؤلف الأمر إلى أسباب كثيرة في مقدمتها تحول «الضيف» غير المؤهل إعلامياً إلى «صاحب برنامج» وهي ظاهرة ابتلينا بها في السنوات العشر الأخيرة، ولو تأملنا المهزلة الفضائية التي دبرت ضد الأزهر الأسبوع الماضي عبر برنامج فضائي يقدمه نفر من دخلاء المهنة وأدعياء الموهبة البرامجية، لأدركنا سبب التراجع، ويفسر كتاب الصحافة شارحاً: «إن نموذج «الدكتور الضيف» تكرر مع كثير من الضيوف المهمين (وغير المهمين) في البرامج التلفزيونية في الفضائيات المصرية، التي استثمرت جماهيريتهم وأفردت لهم المساحات الشاسعة ليصولوا ويجولوا دون رابط أو رقيب، منهم من يمكن أن تحترم وجوده وتقدره، ومنهم عشرات «الأشباه» ممن شوهوا المشهد الإعلامي وجعلوا المهنة «رذيلة» نتخفى عند ممارستها، ونتحرج في الإفصاح عن اسمها أمام الناس كأنها «عورة» يجب سترها».
«سيكون رهيباً في هجومه، متأنياً عند اتخاذه لقراراته»، هكذا وصف (تزو) المقاتل الباسل في كتابه، تأملت صورة الرئيس السيسي أمامي على الكمبيوتر وأعدت الإستماع إلى كلماته التي قالها للعالم من مطروح ومعه قادة الجيش المصري وزعماء القبائل الليبية الشقيقة: «يخطئ من يعتقد أن حلمنا ضعف ويخطئ من يعتقد أو يظن أن الصبر تردد.. لا والله صبرنا لاستجلاء الموقف وإيضاح الحقائق وليس ضعفا أو ترددًا».
واهتمت وسائل إعلام محلية وعالمية برسائل الرئيس المصري من مطروح، حيث قالت «الشرق الأوسط» اللندنية: «السيسي يرسم «خطوطاً حمراً» لتركيا في ليبيا»، مشيرة في عنوانها إلى التأييد السعودي للموقف المصري، فيما تساءلت «بي بي سي»: «بعد خطاب السيسي، هل تتدخل مصر عسكرياً في ليبيا؟»، وهو نفس التساؤل الذي طرحته صحيفة «عكاظ» السعودية، فيما أبرزت «الخليج» الإماراتية العوامل الخمسة التي تناولها خطاب السيسي والتي تدفع مصر للتدخل في ليبيا، مشيرة في عنوانها: «الإمارات: نقف إلى جانب مصر في حماية أمنها».
وربما عززت شكوك الحرب كلمات الرئيس التي وجهها إلى قادة المنطقة العسكرية الغربية قائلاً: «الجيش المصري من أقوى جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمي ولا يهدد.. يؤمن ولا يعتدي.. تلك هي عقيدتنا وثوابتنا التي لا تتغير.. كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا وإذا تطلب الأمر خارج حدودنا».
إن خروج القوات المسلحة المصرية في 2020 من أراضيها للدفاع عن أمن الوطن، قرار لا يعرف أهميته ونتائجه إلا قائد الدولة وفريقه الرئاسي والعسكري، وحكام مصر منذ ثورة يوليو 1952 لم يتخذوا قرار الحرب بحثاً عن مجد أو جرياً وراء شهوة، فكلهم (لسابق خبرته العسكرية) كان مدركاً لقسوة القرار وكلفته، وظني أن كلها كانت قرارات ضرورية ومصيرية لا مفر منها دون الدخول في تفاصيل (ومزايدات) حول كل قرار وخلفياته وتبعاته ونتائجه حتى اليوم، بما في ذلك قرار الرئيس جمال عبد الناصر بالحرب اليمن.. التي وصفت بـ «العقدة العسكرية»، والتي دائماً ما تستدعي عند خروج الجيش المصري في أي مهمة قتالية عابرة للحدود.
لقد أحالني الرئيس بخطابه الأخير إلى كتاب «فن الحرب» بعد سنوات كثيرة كنت قد نسيته مخفياً بين كتبي، وقبل أن أتركه لأتم المقال، توقفت أمام هذه السطور: «إن إحراز مائة إنتصار في مائة معركة ليس هو الأفضل بل إن إخضاع العدو من دون قتال هو أفضل ما يكون»، لهذا أدعو الله أن تكون ليبيا هي مقبرة المشروع التركي الإستعماري، الذي لا يقل في خطورته (وقسوته) عن المشروع الصهيوني، إن لم يكن مكملاً له.
وأخيراً، وجب علينا اليوم أن نساند وطننا وندعم جيشنا، والأ نضيع الوقت في جدال أو خلاف يضعف وحدة الصف ويشتت الإنتباه، يجب أن نتحد في معركتنا ونتكاتف، ونمنع كل أشكال الدعاية السلبية والأفكار الهدامة، هذا دورنا جميعاً.. الشعب قبل الحكومة، والفرد قبل القيادة.
إستقيموا.. يرحمكم الله.. و استووا واعتدلوا.. وسدوا الفرج.

                                                *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 24 يونيو 2020 


الأربعاء، 17 يونيو 2020

الاختيار «الثاني»




شاهدته في أكثر من لقاء تليفزيوني يتحدث بحماس وأمل، ويؤكد أنه سيطارد العلاج في أي مكان حتى يستعيد «نور عينيه»، موضحاً أنه «صبور ولا يضعفه اليأس»، مشيراً إلى علاقته التاريخية مع «الصبر» والذي خاض معه رحلة شاقة تجاوزت السنوات العشر، كان ينتظر فيها تحقق حلمه الكبير بأن يصبح أباً، ولم يتخيل الطبيب محمود سامي أنه سيكون على موعد مع القدر ويتحقق الحلم ويرى أبنه الوحيد «يحيى» لكن لمرة واحدة فقط، قبل أن يفقد بصره أثناء ممارسته مهامه الطبية بمستشفى العزل بمدينة بلطيم في محافظة كفر الشيخ.
وقد تشرفت بأن يكون الطبيب الذي فقد بصره وهو يقاتل هذا الفيروس الشرس، بطل «اهداء» كتابي الجديد «البرشامة في الكورنتينة»، راجياً الله له بالشفاء وتمام الصحة والعافية، فقصته مثال صادق على الإخلاص والجد في العمل والتفاني في خدمة الناس، وهو يخوض هذه الأيام حرباً جديدة يطارد فيها بصيص أمل يرتجى منه رحمة الله في أن يستعيد بصره، وهو للأسف أمل ضعيف وفق رأي الأطباء المعالجين.
ولأن قصته وقصة كفاح الهيئة الطبية في مصر ضد الفيروس، قصة مشرفة وملهمة دفعت المجتمع كله لتكريمهم، حتى لقبوا بـ«الجيش الأبيض» في إشارة واضحة لدورهم البطولي الذي لا يقل بحال عن جيشنا الوطني العظيم الذي جاهد الإرهاب الفاسد في سيناء، ويربض حالياً على حدود مصر الغربية يدافع عن حدود الوطن مع ليبيا، ونسوره تحلق فوق المنطقة بأسرها لحماية أمن مصر القومي.
لقد استحق الأطباء وهيئات التمريض في كل المستشفيات تقديرنا واحترامنا بعد أن تخطت رحلتهم القتالية مائة يوم متصلة من النضال في مواجهة هذا الفيروس الشرس، لهذا أتمنى أن تجد فكرتي طريقها إلى صناع القرار وأولي الأمر، وهي الفكرة التي ولدت بعد أن انتشر خبر إنتاج الجزء الثاني من المسلسل التليفزيوني الناجح مسلسل «الاختيار».
وفكرتي أن يكون مسلسل «الاختيار2» عن قصة حياة الطبيب محمود سامي فهو، لا يقل بطولة عن شهدائنا من القوات المسلحة، وكفاحه قبل وبعد المرض قصة تستحق أن تُروى وتُخلد ليتعلم منها أبناؤنا، مثلما كان «الاختيار1» ملهماً لهم ومؤثراً في مسار حياتهم وحياة جمهور متابعيه من كل الشرائح العمرية والاجتماعية.
اعلم ان هناك قصصاً لأطباء آخرين ضحوا بحياتهم لإنقاذ مرضاهم، وهناك بطولات أخرى للجيش تنتظر من يجسدها درامياً، سواء بطولات حالية أو من تاريخ الجيش المصري المشرف، وايضاً تاريخ الشعب المصري وحاضره مزدحم بصفحات البطولة والتضحية التي ربما تسعها أجزاء أخرى من المسلسل.
لقد تمنى ملايين المصريين وهم يشاهدون الحلقة 28 من الاختيار (الأول) في رمضان الماضي، أن يقفزوا داخل المسلسل وينقذوا حياة بطلهم الشعبي الشهيد المنسي، فهل نطمع من صناع المسلسل أن ينقذ الاختيار (الثاني) حياة بطل آخر يستحق أن يعيش، وقد ينير هذا المسلسل ظلامه ويكون السبب في عودة النور إلى عينيه.
ولعل مفارقة أن يكون مؤلف المسلسل باهر دويدار ومخرجه بيتر ميمي من خريجي كلية الطب، قد تُعجل بتحيزهما لقصة طبيب زميل ينتمي لجيلهما وربما يكون أحدهما قد زامله في كلية الطب، التي يعد الالتحاق بها والنجاح فيها قصة كفاح مشرفة، خاصة لمن يأكلون طعامهم من حلال كسبهم.
إن قصة الطبيب الذي فقد بصره، تستحق الوصول إلى منصة التتويج والفوز بالترشح لأنها تنتصر لهؤلاء الكادحين الذين يجاهد الرئيس السيسي من أجلهم، ويضحى  لحمايتهم  البواسل من أفراد القوات المسلحة المصرية والشرطة المدنية، إن هؤلاء هم المصريون الذين يذكرهم الرئيس في كل خطبه منذ توليه مسئولية الحكم، وقصة كفاح محمود سامي ابن الطبقة المتوسطة تمثل كثيراً منهم، لهذا أتمنى أن يستجيب من في يده الأمر ويفوز هذا الطبيب بالاختيار الثاني.
وأخيراً، بعد أن تسارعت خلال الأسبوع وتيرة الإصابة بفيروس كورونا وتضاعفت أعداد الموتى إلى حد ينذر بالخطر.. أدعو الله خاشعاً أن يحفظنا وإياكم من الابتلاء بالوباء ويكفينا شره الظاهر ويرزقنا خيره الباطن.  



نشر في جريددة "صوت ألأزهر" بتاريخ 17 يونيو 2020

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...