الجمعة، 24 يناير 2020

في ذكرى اليوم الموعود



ربما تكون قد تبدلت مشاعرك تجاه هذا اليوم، وفقدت حماسك للمعنى الذي خلده في وجداننا، وربما تكون انقسامات كثيرة وصراعات مريرة ودماء غزيرة، هي الحصاد الظاهر لحلم الثورة الجميل، لكن ما يجب أن يدركه هذا الجيل من شباب مصر الذي كان نواة هذا الحراك السياسي الملهم، هو أن الأحلام لا تموت، مثلها مثل الشهداء، أبدا لا يموتون. وغدا إن شاء الله ستمحو الأيام «عبث الأقذار» - أقصدها بالـ«ذال» حقا وصدقا، والمعنى يستقيم أكثر مع خالص اعتذاري لأديبنا عميد الرواية العربية وصاحب نوبل، نجيب محفوظ - ليبقى أثر «25 يناير» خالدا في تاريخ شعب مصر، بمعناه الصحيح ورسالته الواضحة.
كتبت السطور السابقة في مقال عنونته بـ «ذكرى ميلاد الحلم» نشر في يناير 2015، وأعيد نشره في كتابي الجديد «حركة شباب: مشاهدات مراسل أجنبي في مصر» الذي يصدر هذا العام، ونحن نحتفل بالذكرى التاسعة لثورة يناير 2011. وقد وجدت أن كلامي القديم ما زال معبرا بصدق عن مشاعري ووجهة نظري تجاه هذا الحدث التاريخي الفارق، وهذا لا يتعارض مع وصفي لـ «يناير» بأنها «حركة شباب» وليست ثورة مكتملة الأركان، كما لا يتعارض أيضا مع تحيزي الصادق لرمز الدولة المصرية ورئيسها عبد الفتاح السيسي وتأييدي الملطق لمشروعه النهضوي لبناء مصر الجديدة.
إن أهم ما تعلمناه من درس «يناير 2011»، هو أن المجتمع المصري والدولة المصرية، لا يناسبها فكرة التغيير الثوري، فلم تحقق مصر من الثورات عبر تاريخها أي طفرات حضارية فارقة أو نتائج سياسية مستدامة، مصر حضارة عريقة لا تحتمل الزلازل السياسية أو الاجتماعية او الاقتصادية أو الدينية، مصر يناسبها الحلول التدريجية والتغيير المرتبط بالنضج و التطور، لأنه يؤسس لنفسه وجودا حقيقيا في أوصال الجسد المصري العريق، الذي لا يتقبل إلا ما تهضمة ذائقته الحضارية، لقد مر على مصر أهوالاً وغزاها أغلب الإمبراطوريات العتيدة في التاريخ، وأجتاحتها رياح الأفكار القادمة من كل بقاع العالم في كل الأزمنة، لكنها أستوعبت الجميع وحافظت على ملامحها وعلى شخصيتها الأصيلة، التي تظهر أوقات المحن والأزمات، إن «المعدة» الحضارية المصرية قادرة على تقبل كل إختلاف واحتوائه بصبر، ومزجه مع «المكون» المصري، أقول هذا وأؤكده رغم ما نعانيه من شقاق وصراعات وخلافات فكرية وسياسية حالية.
نعم، لقد أفسد المنبطحون المناخ العام، فأصبحنا نتحرج من الإشادة ونتردد في الفخر بالإنجازات، التي وصلت إلى حد «المعجزة» في بعض المجالات، لكن هؤلاء أضطرونا أن نكتفي بابتسامة رضا بعيدا عن الأضواء، حتى لا تلتقط لنا صورة معهم وهم يلعقوا الأحذية بحسب ما تعودوا منذ أبتلينا بوجودهم في حياتنا العامة. أما المعارضون «المأجورون» فقد لطخوا سمعة الصوت الآخر والرأي المخالف، وحرمونا من حرية النقد ولوثوا سمعة المعارضة الشريفة، فأصبح من ينتقد.. عاق يستحق السحق الفوري وتعليقه على باب زويلة بجوار «طومانباي»، لقد أجبرونا على الصمت المخزي، حتى لا نكون في قفص واحد معهم.
ظني أن هذه الحالة لن تستمر كثيرا، ضرورات الحياة وعجلة التقدم والتطور تسير دوما إلى الأمام، وجزء من تحضر الأمم هو قدرتها على إستيعاب الإختلاف، ولن يقدر أي مجتمع على تحقيق نهضة حقيقية دون أن يتمكن من الإستفادة من كل طاقاته.
إن مصر في عهد الرئيس السيسي تهرول نحو المستقبل، نجح الرجل العسكري المخلص باجتهاد ومعاونة صادقة من الجيش الوطني والمجتمع المدني بكل آلياته وأدواته، أن يسدد فاتورة «يناير»، وماسبقها من أخطاء عهد مبارك، وأجتاز بمهارة الكثير من الأزمات وتخطى مخاطر محلية وإقليمية ودولية بدهاء وذكاء، وتمكن بعد سنوات قليلة من الحكم أن يضع مصر على أعتاب طريق الحلم الذي ولد في يناير 2011 على يد شبابها، وأكتملت رحلته بفضل الله الذي سخر لهذا الوطن جيشا وطنيا صادقا في إنتماءه واثقا في عطائه، و«شرطة» يستحق رجالها كل الشكر والعرفان على عطائهم وبسالتهم وتضيحاتهم، ولن نختزل الشكر فقط يوم عيدهم «25 يناير»، فهو ممتد طوال العام، فكلاهما الجيش والشرطة في مصر يستحقا الشكر المتواصل على ما يبذلوه لحماية أمن مصر وشعبها.
حفظ الله مصر.. وشعبها.. وشبابها.. وكل عام ومصر بخير.



نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 22 يناير 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...