الخميس، 17 أكتوبر 2019

النيل «مجاشي».. والمانيفستو الرئاسي


أعجبني منهج الرئيس السيسي في التعامل مع أزمة المياه، أو بوصف أدق وبحسب تعبيره «الفقر المائي» الذي تعانيه مصر، والذي تجدد الحديث عنه بسبب الأزمة المعروفة إعلاميا بأزمة «سد النهضة» والتي وصلت مفاوضاتها إلى طريق مسدود، وقد أوجز الرئيس منطقه في هذا الملف الشائك خلال رده على سؤال الكاتب الصحفي ياسر رزق في ختام أعمال الندوة التثقيفية الحادية والثلاثين للقوات المسلحة والتي تزامنت مع احتفالات مصر شعبا وجيشا بالذكرى الـ46 لنصر أكتوبر المجيد.
حمل السؤال الذي طرحه الكاتب المقرب من دوائر السلطة هدفا إستراتيجيا، حيث عبر رزق عن حيرة المواطن البسيط من التصعيد الرسمي المصري ضد أثيوبيا بعد تعثر مفاوضات سد النهضة، ثم التهنئة التي أرسلها الرئيس السيسي لرئيس وزراء أثيوبيا أبي أحمد عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام. ورد السيسي على سؤال رزق بما يمكن اعتباره «مانيفستو رئاسي»، أوضح فيه سياسة مصر في التعامل مع أثيوبيا وقضية سد النهضة خلال المرحلة المقبلة، ولخصها بأن مصر قد اتخذت التدابير اللازمة والاحتياطات المناسبة لمواجهة مخاطر نقص المياه،  ومن أهم هذه التدابير تعظيم الاستفادة من مياه البحار، بإنشاء عدة محطات تحلية تغذي كل المدن الساحلية بالمياه، وفيما يتعلق بالتعامل مع أثيوبيا أكد الرئيس أنه يدير الملف بحكمة وهدوء، وطالب المصريين بالتروي والحذر عند التفكير في هذا الأمر، مؤكدا أن هناك لقاء قريبا سيجمعه برئيس الوزراء الأثيوبي في موسكو. 
ورغم أني لا أوافق على تحميل (يناير 2011) مشكلة السد، إلا أنه يبدو أن الفوضى التي صاحبت الربيع المصري قد شجعت أثيوبيا على اتخاذ الخطوة الجريئة التي أجلتها سنوات طويلة، ترددت خلالها في أن تعادي مصر التي كانت السند والدعم للشعب الأثيوبي في مختلف قضاياه، لا شك أن السد يمثل مستقبلاً وحلماًكبيراً للشعب الأثيوبي علينا ونحن نفكر في النيل أن ننتبه له جيدا، ولا نكتفي بالحديث عن الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، دون التماس الحق للطرف الآخر.
وعلينا جميعا أن نبادر بالحديث عن الماء وسبل المحافظة عليه وترشيد استخداماته، ونقل ما يدور في العالم حول ندرته خلال المستقبل القريب، ونشر ما وصلت إليه مراكز الأبحاث الدولية حول الحروب القادمة في العالم بسبب المياه، لعل الشعب ينتبه ويقوم بثورة سلوكية في علاقته مع (حنفية المايه)، يجب أن تضع الحكومة قضية مياه النيل على رأس الأولويات، وترسخ فكرة أنها قضية حياة بالنسبة للشعب المصري، وتجعل المحافظة على كل قطرة ماء هدف رئيسي عند كل مواطن، وتثمن التوظيف الصحيح لكل استخدام رشيد، إنه تغيير ضروري وحتمي، يلزم الجميع بتبني ثقافة جديدة.. تدخر الماء ولا تهدره.
وأذكركم أخيرا، بأغنية «النيل نجاشى» التي تغنى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1933، وما يحمله أسم الأغنية من دلالة واضحة تنسب النيل إلى منابعه في الحبشة (أثيوبيا حالياً) والتي كان يلقب ملوكها بـ «النجاشي»، وقد أكرم «نجاشي» في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام المهاجرين الأوائل وحماهم في بلاده، ومن المفارقات أننا كنا نغني أغنية عبد الوهاب ونحن صغار ونقول: «النيل مجاشي»، وهو ما لا نتمناه أبدا من شركائنا في مياه النيل، ظني أنهم يدركون جيدا خطورة عدم وصول مياه النيل إلى مصبه في مصر، ولا أعتقد أن أحد في العالم يجرؤ أن يكون سبباً في عطش المصريين.
لتبقى مصر هبة النيل، شاء من شاء.. وأبى من أبى.


الخميس، 10 أكتوبر 2019

اختيار «منسي»


توقفت هذا الأسبوع أمام خبر إنتاج مسلسل «الاختيار» عن قصة الشهيد العقيد أحمد منسي بطل القوات المسلحة المصرية والذي استشهد في السابع من يوليو عام 2017، ليكون باكورة الأعمال الدرامية التي تجهز للعرض في شهر رمضان 2020، وقد صاحب إعلان الخبر عاصفة من الترحيب تقديرا وعرفانا بما قدمه الشهيد البطل في حرب مصر على الإرهاب. أسعدني الخبر خاصة وأن فريق عمل المسلسل المعلن عنه هو فريق عمل المسلسل الرمضاني الناجح «كلبش» بأجزائه الثلاثة، وهم الممثل الخلوق أمير كرارة والمخرج المتميز بيتر ميمي، أما مؤلفه فهو الصديق العزيز الدكتور باهر دويدار، ورغم هذه السعادة تبادر إلى ذهني أكثر من سؤال، ربما كان أبرزها وأهمها..

لماذا أحمد منسي؟
وقبل أن أجد إجابة (أو إجابات)، وقع نظري على مقال بديع للزميل الكاتب الصحفي رشدي الدقن في صحيفة «روزاليوسف» بعنوان «عم عبد الجواد»، اختطفتني سطوره الأولى: «نفسك في أيه يا عبد الجواد"؟ .. سؤال تقليدي جدا في نهاية زيارة الرئيس جمال عبد الناصر للمقاتل، عبد الجواد سويلم، والذي فقد نصف جسده، في معركة خلف خطوط العدو، أثناء حرب الاستنزاف. المقاتل الذي فقد ساقيه اليمنى و اليسرى وذراعه الأيمن وعينه اليمنى، رد بسرعة، نفسي أرجع الجبهة وأحارب ياريس».

ذكرني المقال بقصة «الشهيد الحي» والذي كان منسيا حتى كرمه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الوطني للشباب في نسخته الثالثة بمدينة الإسماعيلية في إبريل 2017، وقبل رأسه وسط تصفيق الحضور وهو يقدم له التحية العسكرية بيده اليسرى بديلا عن اليمنى المبتورة، وقد لقب سويلم بـ«الشهيد الحي» لأنه المحارب الوحيد في العصر الحديث الذي خاض حربا ميدانية وهو مصاب بعجز كامل (بتر في الساقين واليد اليمنى وإصابة في العين)، وذلك بعد أن تمت الموافقة على طلبه بالاستمرار في كتيبة الصاعقة خلال حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر 73، وحصل سويلم على نوط الشجاعة من الرئيس عبد الناصر، ثم من الرئيس السادات، وخلال الاحتفال باليوبيل الفضي لنصر أكتوبر عام 1998، منحه الرئيس مبارك ميدالية مقاتلي أكتوبر، قبل أن يكرمه الرئيس السيسي عام 2017.

لم أقصد مقارنة بين بطلين أو بين حربين، لكن مقال الزميل رشدي أعاد قصة عم عبد الجواد أمامي في مشاهد سينمائية حتى أني كتبت له على صفحته في الفيس بوك معلقاً: «هذه قصة عظيمة تصلح لفيلم سينمائي محترم تمنيناه كثيرا.. والفيلم العظيم ليس معارك وباروداً.. إنما فيلم عن البطولة والصمود.. عن روح الإنسان المصري.. روح أكتوبر.. التي تم استنزافها عبر السنوات التي أعقبت النصر.. ونحكي عنها اليوم وكأنها أثر مسروق».

إن قصة «عم عبد الجواد»، وغيرها مئات القصص المجهولة والمخفية والمظلومة لأبطال «منسيين»، لو توافر لها إمكانيات إنتاجية محترمة ومماثلة لفيلم «الممر» المنتج هذا العام عن حرب الاستنزاف، أظنها ستحقق نجاحا جماهيريا وفنيا لا يتوقعه أحد وسترشح لأهم الجوائز الدولية في السينما، لدينا كنوز مدفونة ليتنا نستفيد منها، وأتمنى أن يستمر الاهتمام بتقديم قصص أبطالنا بأسمائهم الحقيقية (في كل المجالات) من خلال الدراما للسينما والتليفزيون، وأن يكون «منسى» هو البداية.

وبالمناسبة، فإن لقب «الشهيد الحي» يعود إلى التاريخ الإسلامي ووصف به طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأشجع من دافعوا عن النبي في غزوة أحد في بطولة نادرة، حيث تلقى عدد كبير من الطعنات وأصيب إصابات بالغة حتى فقد الوعي وكاد أن يموت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن ينظُر إلى شهيدٍ يمشي على وجهِ الأرضِ فلينظُرْ إلى طلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ». وهي معلومة هامشية حق ذكرها لكي نعرف أن خط البطولة ممتد بطول التاريخ، وقصصه راسخة وتنتظر من يستدعيها إلى شاشات السينما والتليفزيون لعل الأجيال الجديدة ترى وتتعلم وسط فوضى وعبث ما يحاصر عيونهم من مواد درامية وإعلامية تذهب العقول وتقتلع الانتماء وتربك الأخلاق وتسقط الدين.



*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 9 أكتوبر 2019


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...