السبت، 31 أغسطس 2019

فعل «الهجرة» وأثره في المشروع الإسلامي




تمثل «الهجرة» حجر الأساس لمنجز المشروع الإسلامي الذي تحقق واستمر طوال 1441 عام، تبلورت الفكرة واختمرت واختبرها النبي في «هجرة الحبشة» قبل أن تصبح «يثرب» هي الملاذ والمستقر، لتصبح «المدينة المنورة» بسطوع شمس نبينا محمد عليه أفضل صلاة وسلام وصحبه أبي بكر على أرضها بعد رحلة شاقة نجيا فيها من الهلاك، بفضل الله الذي سترهما وحفظهما في غار حراء بينما رهط من كفار قريش تصطك سيوفهم على بابه، بعد أن أغشاهم المولى عز وجل فلم يبصروه، ليصل سالما إلى طيبة الطيبة بأهلها من «الأنصار»، ويشرق بين ربوعها فجر الإسلام، لتصبح الهجرة هي «فعل» البداية والخطوة الأولى لبناء دولة الإسلام التي شيدها الرسول وأتمها من بعده خلفائه الراشدون.
والهجرة تمثل نموذجاً مثالياً لتأكيد حيوية الفكر الإسلامي وتفاعلية الثقافة المحمدية (الربانية) القائمة على المنهج الإيجابي، إن التعاليم الربانية التي نقلها جبريل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام في آيات من الذكر الحكيم وفي وحي مقدس ترجمت جميعها إلى عقائد وعبادات، تتفق في مجملها على تحفيز الإنسان المسلم على الحركة ومكافحة السكون والاستسلام. ومثلت فكرة «الهجرة» قمة التحرك الإيجابي للتحرر من الظلم والعذاب والاضطهاد، بهدف إنقاذ الدعوة الإسلامية وانطلاقها، فكانت هجرة النبي البداية الحقيقية للمشروع الإسلامي، إنها لحظة الفعل الثوري للتخلص من عبودية المكان وذل الموطن وأسر الامتلاك، لقد ترك الرسول وصحبه المسلمون وطنهم (مكة) وأهلهم وبيوتهم وأملاكهم، ليفروا بدعوتهم وينقذوا نبيهم ويحفظوا إسلامهم، ليحق عليهم وعد الله في كتابه الحكيم: « وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»، سورة النحل.
ولا أدل على أهمية حدث «الهجرة» ومحوريته أكثر من اختياره لبدء التقويم الإسلامي (الهجري)، الذي يحدد خارطة مواقيت العبادات الأساسية في الإسلام ويرسم ملامح الحياة بالأيام والشهور والسنوات، وهو التقويم الذي أنشأ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وجعل من هجرة رسول من مكة إلى المدينة في 12 ربیع الأول (24 سبتمبر عام 622 ميلادياً) مرجعاً لأول سنة فيه، وهو يرتكز في الأساس على الميقات القمري الذي أمر الله في القرآن بإتباعه وفق ما ذكر تفصيلا في سورة التوبة.
ومن أبلغ ما وصفت به، ما ذكره الدكتور مصطفى محمود في إحدى حلقات برنامجه الشهير (العلم والإيمان)، والتي خصصها للحديث عن الهجرة حيث قال: «الهجرة حياة.. ومغالبة للطبع وكبح لنوازع الكسل والاستسلام.. وهبة روحية مضادة للقصور الذاتي المادي للإنسان.. ثورة على المألوف.. الهجرة بالنسبة للإسلام نقلة من حال إلي حال..  فقد كان قبل الهجرة «إسلام سلبي» خلال 13 سنة، وبعد الهجرة تحول إلى الضد فأصبح موقفه إيجابي من الباطل، فإذا حورب يحارب.. وإذا جوبه بالقوة يصد بقوة أكبر.. وبعد الهجرة بدأ عصر الغزوات ثم الفتوحات.. فكانت الهجرة هي بداية إرادة التغيير».
وتختصر الهجرة دروسا وعظات كثيرة، علينا أن نسترجعها في كل مناسبة لعلها تنفع الأجيال الجديدة من الشباب وتدفعهم إلى التغيير الإيجابي، فالهجرة هي سنة كونية ضربها الله لنا كي تحفزنا لرفض الاستسلام للظلم أو الهزيمة أو الفشل، وإنه إذا ضاقت بنا السبل يجب أن تهب أرواحنا وتسحبنا إلى فضاءات جديدة وتجارب مختلفة ربما نحصد ما لا نتوقع، وتتبدل مصائرنا نحو الأفضل.
كل عام هجري وأنتم بخير.

 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 28 أغسطس2019


الأحد، 4 أغسطس 2019

المحبة في الله



أدهشتني وأسعدتني حالة الاحتفاء والاحتضان التي استقبل بها فضاء «السوشيال ميديا» في العالم العربي قصة حب الفنان المصري القدير رشوان توفيق وزوجته التي غادرت الحياة قبل أيام، لتسطر بموتها فصلا جديدا من «أسطورة حب» رعاها الله وباركها فأثمرت هذه السيرة العطرة التي جعلت كثيرين يتأملونها ويبحثون عن تفاصيلها وكلهم أمل أن يمن الله عليهم بقصة جميلة مشابهة تربطهم مع من يحبون.
في السادس عشر من يوليو 2019 أعلن خبر وفاة الزوجة، وتناقلت وسائل الإعلام صور الفنان الزوج وهو يبكي فقيدته عقب الصلاة عليها بمسجد السيدة نفيسة، واستدعي الجمهور على الفور حوارات سابقة للفنان الأصيل رشوان توفيق وهو يتحدث بكل المحبة عن زوجته أثناء فترة مرضها العضال التي استمرت ثلاث سنوات ظل خلالها رفيقا وجليسا لها وحريصا اشد الحرص على خدمتها وراحتها، واختزل الحاج رشوان (كما يلقب في الوسط الفني) قصته مع زوجته التي تزوجها وهي في سن 17 عام ليستمر زواجهما وحبهما أكثر من 55 عام، قائلاً: «أراد الرحمن أن يحفظني بزواجي منها».
يتلقف المجتمع بتعطش ولهفة قصص الحب النادرة التي يمتد فيها الحب ويتصل ويتبارى فيها المحبين (رغم كبر سنهم) في التعبير عن عشقهم واهتمامهم بأحبابهم، ونستشعر هذا العطش عندما ترى من تكتب عبر حسابها على «فيس بوك» راجية الله أن يرزقها «حب النبي للسيدة عائشة»، وتجد آخر يتوسل إلى الله أن يرزقه «الزوجة الصالحة»، كما أن متابعة التعليقات على فيديوهات أو صور الحب تؤكد هذا التعطش وتعكس حجم الأزمة.
الأزمة التي لن يلخصها أن تقول أننا نحيا في عصر أنتشر فيه الطلاق، وأصبح هو الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة،ـ رغم أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد نفى ما تردد حول تصدر مصر المرتبة الأولى عالمياً في الطلاق، مؤكدا أن  معدل الطلاق في مصر بلغ 2.1 لكل ألف من السكان لعام 2017، وهذا المعدل من المعدلات العادية على مستوى العالم، لكننا لا يمكن أن نخفي تفشى الطلاق في المجتمع المصري في السنوات العشر الأخيرة، وانتشار ظواهر مثل الانفصال العاطفي بين آلاف الأزواج، ونفور الأجيال الجديدة من «الجواز» ولجوئهم إلى علاقات مشوهة تفسد معنى «مشروع الزواج» وتفقده قيمته ومعناه، وتجعله أبعد ما يكون عن مساره القويم الذي حدد له المولى عز وجل إطارا شرعيا يغلفه المودة والرحمة ويزاوجهما في محبة الله، لتكن هي العلاقة الأصل التي بارك فيها الله استمرارية الحياة وبقاء الجنس البشري.
ويحلو للبعض تجريد علاقة الرجل والمرأة من إطارها الشرعي، ويتفننوا في تقديم تفسيرات شيطانية للحب، كلها وصلت بهم إلى الفشل والانهيار والانتحار، لقد زاد الشقاق بين «أدم وحواء» في زماننا لأنهما أدمنا الشجرة المحرمة، ورفضا أن يتعلما من درس أول «أدم وحواء» ويدركا أن المحبة لله وحده لا شريك له.
إنها معادلة ربانية لأهم علاقة إنسانية، تتصل المحبة بفضل الله الذي يؤلف بين القلوب، ويربط بينها برباط مقدس ويظلها بظله في الدنيا والآخرة.
رزقنا الله وإياكم «المحبة في الله».


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 31 يوليو2019




التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...