دَعَمَ الأزهر الشريف ببيانِهِ الناجعِ.. الناجِزِ.. عن
ظاهرةِ «التحرش»، مَظَلَّةَ الحمايةِ المجتمعية، التي بدَأَتْ تتشكَّلُ لحمايةِ «منة
جبران» المعروفة إعلاميًّا بـ«فتاةِ التجمُّع»، صاحبةِ الفيديوهاتِ المتداوَلَةِ
على «السوشيال ميديا»، التي تحوَّلَتْ قصَّتُها إلى قضيةٍ شغَلَتْ الرأيَ العامَّ
المصري خلال شهر أغسطس الحالي، وعُرِفت بقضية «تحرُّش التجمع».
وتضمَّنَ البيان الأزهري الذي صدر قبل يومين، رسائلَ مهمَّة
تحسم بؤر الفتن التي اشتعلت بصورة غير مفهومة خلال الأسابيع الأخيرة، وطالت مفاهيم
أساسية وبَدَهِيَّة، ضاعت أمام طوفان الهزلِ الذي صاحب قصة «فتاة التجمع»، الذي
وصل إلى ذُروَتِهِ بالهجوم على الفتاة، وتعرُّضها للفصل من عَمَلِها، وبلغت
المأساة حدَّها بإعلانِ محامي الشاب المعروف بـ«متحرش التجمع»، عن تقدُّمِه ببلاغ
للنيابة العامة ضد منة جبران، واعتبر المحامي، في مداخلةٍ هاتفيَّةٍ مع أحد
البرامج الفضائية، ما قام به الشاب تجاهَ الفتاة ليس تحرشًا، وأعرب عن تعجُّبِهِ
مما وصفَهَ بـ«ذبحِ الشابِّ»، قائلًا: «لو استمرّينا بهذه الطريقة هنحبس نص شباب
مصر، ولازم نكون مستوعبين الفكرة، وإن دول في الآخر شباب».
بينما أعلَنَ المجلسُ القومي للمرأة، تضامنَهُ الكاملَ
مع «فتاة التجمُّع» ضحيةِ واقعةِ التحرُّشِ، وأكَّدَتْ الدكتورة مايا مرسي رئيسةُ
المجلس تواصُلَها مع الفتاة لتأكيد التضامُنِ معها، واستعدادها لتقديم جميعِ أوجُهِ
المساندة القانونية لها في قضيتها، مشددةً على ضرورة تنفيذ القانون ضد مرتكبِ هذه
الواقعة حتى يكونَ عِبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم الشائنة.
وقد أسهم بيان الأزهر الشريف عن التحرُّش، الموفَّق في
توقيته، المختَصَر في كلماته، القاطع في حسمِهِ لهذا الجدل المتزايد، حيث جاء فيه: «تابَعَ الأزهر
الشريف ما تداولَتْه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من
حوادثِ تحرُّش، وصل الأمر في بعضها إلى حدِّ اعتداء المتحرِّش على مَن يتصدى له أو
يُحاوِل حماية المرأة المتحرَّش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها
مبررًا يُسوِّغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكةً له في الإثم».
وشَدَّدَ الأزهرُ على أن التحرش - إشارة أو لفظًا أو
فعلًا- هو تصرُّف محرُّم وسلوك منحرف،
يأثم فاعله شرعًا، كما أنه فعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه، وتنبذ فاعله،
وتجرمه كل القوانين والشرائع، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب: 58).
وأكد البيان أن «تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون
مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبِّر عن
فهم مغلوط لما في التحرُّش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا
عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على
الأعراض والحرمات».
وإذا كانت بعض التقارير الغربية قد وصفت مدينة القاهرة
باعتبارِها من المدن الأخطر على النساء، فإنَّ جريمة قد لوَّثَت شاطئ إسكندرية
بالدماء قبل أيام بسبب واقعةِ تحرُّش، انتهَتْ بمقتلِ زوجِ الضحية بعد أن طعنه
المتحرش بسكين، الجريمة سجلها أحد المواطنين بكاميرا هاتفه المحمول، لتجد طريقها إلى
صفحات «السوشيال ميديا»، التي انفجرت تنعي القتيل وتواسي زوجته، وتصدر هاشتاج
#اعدموا_المتحرش_القاتل مواقع التواصل الاجتماعي، ليضعنا «الدم» جميعًا أمام
الخطر، ليكن بمثابة إنذار أخير لنحتشد، وننقذ مجتمعنا، ونقف صفًّا واحدًا لنحمي
ونفدي نساءنا.
وهذا أيضًا ما أكد عليه الأزهر الشريف في ختام بيانه المهمّ،
مشيرًا إلى أنَّ تحضُّرَ المتجمعات ورقيَّها إنما يُقاس بما تحظى به المرأة من
احترام وتأدُّبٍ في المعاملة، وبما تتمتع به من أمان واستقرار وتقدير، فعندما أراد
رسول الله صلَّى الله عليه وسلم التدليل على علوِّ شأن الإسلام واستقرار أركانه،
اتخذ من شعور النساء بالأمن مؤشرًا على ذلك، فجاء في الحديث الصحيح:
"لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ (المرأة المسافرة في الهودج) تَرْتَحِلُ مِنَ
الحِيرَةِ (موضع قرب الكوفة)، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا
إِلَّا اللَّهَ".