الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

فتاة «التجمع» في حماية الأزهر



دَعَمَ الأزهر الشريف ببيانِهِ الناجعِ.. الناجِزِ.. عن ظاهرةِ «التحرش»، مَظَلَّةَ الحمايةِ المجتمعية، التي بدَأَتْ تتشكَّلُ لحمايةِ «منة جبران» المعروفة إعلاميًّا بـ«فتاةِ التجمُّع»، صاحبةِ الفيديوهاتِ المتداوَلَةِ على «السوشيال ميديا»، التي تحوَّلَتْ قصَّتُها إلى قضيةٍ شغَلَتْ الرأيَ العامَّ المصري خلال شهر أغسطس الحالي، وعُرِفت بقضية «تحرُّش التجمع».
وتضمَّنَ البيان الأزهري الذي صدر قبل يومين، رسائلَ مهمَّة تحسم بؤر الفتن التي اشتعلت بصورة غير مفهومة خلال الأسابيع الأخيرة، وطالت مفاهيم أساسية وبَدَهِيَّة، ضاعت أمام طوفان الهزلِ الذي صاحب قصة «فتاة التجمع»، الذي وصل إلى ذُروَتِهِ بالهجوم على الفتاة، وتعرُّضها للفصل من عَمَلِها، وبلغت المأساة حدَّها بإعلانِ محامي الشاب المعروف بـ«متحرش التجمع»، عن تقدُّمِه ببلاغ للنيابة العامة ضد منة جبران، واعتبر المحامي، في مداخلةٍ هاتفيَّةٍ مع أحد البرامج الفضائية، ما قام به الشاب تجاهَ الفتاة ليس تحرشًا، وأعرب عن تعجُّبِهِ مما وصفَهَ بـ«ذبحِ الشابِّ»، قائلًا: «لو استمرّينا بهذه الطريقة هنحبس نص شباب مصر، ولازم نكون مستوعبين الفكرة، وإن دول في الآخر شباب».
بينما أعلَنَ المجلسُ القومي للمرأة، تضامنَهُ الكاملَ مع «فتاة التجمُّع» ضحيةِ واقعةِ التحرُّشِ، وأكَّدَتْ الدكتورة مايا مرسي رئيسةُ المجلس تواصُلَها مع الفتاة لتأكيد التضامُنِ معها، واستعدادها لتقديم جميعِ أوجُهِ المساندة القانونية لها في قضيتها، مشددةً على ضرورة تنفيذ القانون ضد مرتكبِ هذه الواقعة حتى يكونَ عِبرة لكل من تسول له نفسه ارتكاب تلك الجرائم الشائنة.
وقد أسهم بيان الأزهر الشريف عن التحرُّش، الموفَّق في توقيته، المختَصَر في كلماته، القاطع في حسمِهِ لهذا  الجدل المتزايد، حيث جاء فيه: «تابَعَ الأزهر الشريف ما تداولَتْه وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة من حوادثِ تحرُّش، وصل الأمر في بعضها إلى حدِّ اعتداء المتحرِّش على مَن يتصدى له أو يُحاوِل حماية المرأة المتحرَّش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبررًا يُسوِّغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكةً له في الإثم».
وشَدَّدَ الأزهرُ على أن التحرش - إشارة أو لفظًا أو فعلًا-  هو تصرُّف محرُّم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعًا، كما أنه فعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه، وتنبذ فاعله، وتجرمه كل القوانين والشرائع، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب: 58).
وأكد البيان أن «تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبِّر عن فهم مغلوط لما في التحرُّش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات».
وإذا كانت بعض التقارير الغربية قد وصفت مدينة القاهرة باعتبارِها من المدن الأخطر على النساء، فإنَّ جريمة قد لوَّثَت شاطئ إسكندرية بالدماء قبل أيام بسبب واقعةِ تحرُّش، انتهَتْ بمقتلِ زوجِ الضحية بعد أن طعنه المتحرش بسكين، الجريمة سجلها أحد المواطنين بكاميرا هاتفه المحمول، لتجد طريقها إلى صفحات «السوشيال ميديا»، التي انفجرت تنعي القتيل وتواسي زوجته، وتصدر هاشتاج #اعدموا_المتحرش_القاتل مواقع التواصل الاجتماعي، ليضعنا «الدم» جميعًا أمام الخطر، ليكن بمثابة إنذار أخير لنحتشد، وننقذ مجتمعنا، ونقف صفًّا واحدًا لنحمي ونفدي نساءنا.
وهذا أيضًا ما أكد عليه الأزهر الشريف في ختام بيانه المهمّ، مشيرًا إلى أنَّ تحضُّرَ المتجمعات ورقيَّها إنما يُقاس بما تحظى به المرأة من احترام وتأدُّبٍ في المعاملة، وبما تتمتع به من أمان واستقرار وتقدير، فعندما أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم التدليل على علوِّ شأن الإسلام واستقرار أركانه، اتخذ من شعور النساء بالأمن مؤشرًا على ذلك، فجاء في الحديث الصحيح: "لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ (المرأة المسافرة في الهودج) تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ (موضع قرب الكوفة)، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ".

الخميس، 16 أغسطس 2018

شغل الـ«جلا جلا» في قصة «حجاب حلا»



كشَفَتْ قصَّةُ خَلْع الممثلة المصرية السابقة حلا شيحة لحجابها (أو نقابها)، عوارًا اجتماعيًّا فاضحًا وخللًا فكريًّا واضحًا٬ يستدعي جهادًا تنويريًّا من أهل الفكر والرأي ومشايخ العلم، لرَأْب هذا التصدع الخطير الذي كشف عن جهل كبير، انعكس في الانقسام المتطرف بين وجهتي نظر، كلتاهما باطلة.
وقد صاحَبَ وقائعَ القصة وفصولَها، صَخَبٌ صبياني (هيصة وزفّة) إعلامي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأدلى الآلافُ برأيهم وتنابذوا بـفِقْهِهم، وكالعادة تم الزج بـ«الإسلام»، وخرج من يدافع من لاصقي الذقونِ مدعي التديُّن المتمسحين في السلفيَّة، وفي المقابل انبرى مَن يهاجم الإسلام، من رافعي شعارات العلمانية، عُشَّاق الشهرة بحرق ثوابته والرقص فوق تعاليمِهِ.
وبفعل هذا الصخب تحوَّلَتْ قصَّةُ شخصية تخصُّ ممثلة متواضعة، قدَّمَت عددًا محدودًا من الأفلام السينمائية ضعيفةِ المستوى، نحو 10 أفلام خلال سبعِ سنوات، قبل أن تعتزل فجأة وترتدي النقاب لمدة 12 عامًا، أُشيعَ أنها مارست دورًا دعويًّا في آخر أربع سنوات منها، لا شك عندي أنه كان أكثر تواضعًا من مستواها كممثلة.
وحلا شيحا، ليست أول المعتزلات العائدات فقد سبقها كثيرات خلال الربع قرن الماضي الذي تبلورت فيه ظاهرة «اعتزال الفنانات»، التي قيل عنها الكثير ولم يثبُتْ منه إلا النذر القليل، ومما قيل تمويل دولة إسلامية (نَفْطِيَّة) ودَعْم عدد من مشاهير الشيوخ والدعاة الجدد لتجنيد الفنانات وإبعادِهِمْ عن التمثيل، ولكن الملفَّ كان قد طواه النسيان منذ سنوات.
وعودة حلا جدَّدَتْ ذكرياتِ الرأي العام العربي مع هذا الملف الخطير الذي كاد يغرق في بَحْرِ الذكريات، مع ملفَّات أخرى كثيرة طَفَحَتْ على أجندة الاهتمام بلا أيِّ منطق أو مبرر ثم اختفت فجأة أيضًا، وهو ما أكد شكوكًا دائمة حول وجود أصابعَ خفِيَّةٍ تحرِّك هذه الملفات لخدمة أهدافٍ وأغراض غير مرئية.
ولمزيد من الإثارة، ظهر فيديو لملتحٍ يبكي حزنًا على خلع حلا لنقابها، مع الإيحاء الضمنيِّ من هيئته وطريقة حديثه بأنه سلفي، أعقبه تغريدة لحساب يقال إنه لابنة خيرت الشاطر القيادي الإخواني المعروف والمسجون حاليًا على ذِمَّة عدة قضايا، لتكتمل الدائرة وتدخل القصة منعطفًا جديدًا، يدفَعُها إلى دوائرِ السياسة التي تغلي بحثًا عن ثقب للتنفيس، ومع تصاعد أبخرة السياسة وغبارها، دلف دراويش الدين وأعداؤه كل طرف يصرخ في وجه الآخر في مشاجرة فقهية حول «الحجاب» حتى كادا يمزقانه، فدخل الدين من جديد كطرف في معركة هو أبعد ما يكون عنها، وتجدَّدَ سيِّئُ الكلام عن الإسلام، وفتح الباب لبحث مشروعية الحجاب، فخرج الجميع وراء السراب.
وحسم وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة الجدل حول «الحجاب» في أحد الحوارات التليفزيونية مساء الاثنين الماضي عندما سأله المذيع عن «عودة حلا شيحا» فردَّ قائلًا: «يجب أن نفرق بين الشرع الثابت وبين إجبار الناس على حمل الشرع، ولا إكراه في الدين»، مؤكدًا على إجماع الفقهاء وعلماء المسلمين على حجاب المرأة، مؤكدًا: «لا يمكن تغيير نصوص الدين وأساسياته، والحجاب فرض، ولا نجبر أحدًا على الالتزام به، لأن الإسلام دين رحمه وليس إجبار، وما علينا إلا النصيحة، مثل صيام رمضان والزكاة ننصح المسلمين بضرورة الالتزام بهم، ولكن حسابهم عند الله وحده فقط».
أما الجدلُ حول قصة حلا نفسها بعيدًا عن الحجاب فلن يحسمه أهل الدين، بل هو ملك لمن يتلاعب بالقصة، وأستطاع أن يصنع منها «تريند» على السوشيال ميديا ليعكس قدرته على إثارة اهتمام الناس والتلاعب بهم كيفما شاء.

✍🏻 نشر في جريدة الـ«صوت الأزهر» بتاريخ 15 أغسطس 2018

الأربعاء، 1 أغسطس 2018

تأويل حديث «الدين» في جامعة القاهرة



هل حَمَلَتْ كلماتُ الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب الأخير الذي جَرَتْ فعاليَّاتُهُ قبلَ أيامٍ في جامعة القاهرة، أيَّ هُجُومٍ على الأزهر أو مشايخِهِ؟ 
لِمَن لم يُتابِعْ، لم يحدث هذا مطلقًا، ما قيل كان كلماتٍ يؤكِّدُ فيها الرئيس على فلسَفَتِهِ في التغيير، ورغبَتِهِ المستمرَّةِ في التجديد والتطوير، بوصفِهِ رئيسَ البلادِ وقائدَ جيشِها الذي يدفع أبناؤُهُ كلَّ يومٍ من دِمَائِهِمْ، فاتورةَ التفسيراتِ الخاطئة والمتطرفة للدين، فوجَبَ عليه في كلِّ فرصة أن يُذَكِّر بهدفِهِ الكريم (تجديد وتطوير الخطاب الديني) بحُكْمِ مسئوليَّتِه أمامَ الله وأمامَ الشعب المصري.
وهو حديثٌ جاءَ في إطار البرنامج الرئاسيِّ لتطوير التعليم، الذي يمثل «الدينُ» عصبًا رئيسيًّا وركيزةً مهمةً ومؤثِّرةً فيه، وكلامُ الرئيس ورسائلُهُ الجديدة والقديمة تصلُ بانتظامٍ لكلِّ المسئولينَ عن هذا الملفِّ في الدولة، ومنهم مؤسسةُ الأزهر الشريف (جامعًا وجامعةً)، الذين بدورهم يترجمونَها إلى خُططٍ وسياساتٍ يتمُّ تنفيذُها وفقَ توجُّهاتِ الدولةِ المصرية.
لكنْ وكالعادةِ تَطَوَّعَ أو تنَطَّعَ أو دَفَعَ بعضُهُم ليبدأَ موسمًا جديدًا في الهجوم على الأزهر فَقَطْ، وكأنَّه المعنيُّ وحدَهُ بالتطويرِ والتجديدِ، وكأنَّ كُلَّ التطرفِ الذي يستشري في العالم بسببِ العِلْمِ الأزهري، مغفلينَ (عمدًا) عواملَ عدةً بينها الاقتصاديُّ والسياسيُّ والاجتماعيُّ، تقِفُ وراءَ ظاهرةِ الإرهابِ الدينيِّ التي تمثِّلُ ملمحًا واحدًا من أوجهٍ كثيرة لظاهرةِ الإرهاب والعُنفِ التي تجتاحُ العالمَ منذُ سنواتٍ بفعل تراكُماتٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ، وصراعاتِ أممٍ على مصائرِ شُعُوبٍ، يختزلُها هؤلاءِ المأجورونَ (داخليًّا وخارجيًّا) في الإسلام فقط.
وللذكرى، أُحِيلُكُمْ إلى توصيات مؤتمر الشباب بشرم الشيخ (أكتوبر 2016)، حيثُ وَجَّهَ الرئيس السيسي الحكومةَ بالتعاونِ مـع الأزهـرِ الشريـف والكنيســة المصريـة وجميــعِ الجهات المعنيــة بالدولة بوَضْعِ ورقـةِ عمـلٍ وطنيـةٍ تمثل استراتيجيةً لوضعِ أسسٍ سليمة لتصويب الخطاب الديني في إطار الحفاظ على الهوية المصرية بجميعِ أبعادِها الحضارية والتاريخية.
أمَّا عن إشاراتِ الرئيس التحفيزية لرجال الدولة من الوزراء والمسئولينَ، التي يُطلقُها بين الحينِ والآخرِ (والتي يُضَخِّمُها بعضُ الإعلاميينَ)، فقد كانَ لفضيلةِ الإمام الأكبر نصيبٌ منها، حيث عاتَبَه الرئيس مازحاً: «تعبتني.. يا مولانا»، في كلمته أثناءَ احتفال الشرطة المصرية بعيدها في يناير 2017، وهي إشارات تأتي في سياقِ لطفٍ الرئيس وتباسطه، معبراً بـ«خفةِ دمٍ» مصرية معهودةٍ فيه، عن رسائلَ خاصةٍ تحملُ قدرًا كبيرًا من المحبة، وتحوي مغزى التذكيرِ بإحدى تكليفاتِهِ المهمة، وما يُغفِلُه مدمنو الهجوم والصيد في الماء العكر، عدد المرات التي أشاد فيها الرئيس بالأزهر وشيخه وعلمائه في لقاءاتٍ متعددةٍ ومواقفَ مختلفةٍ.
لن أحدِّثَكُم عما بَذَلَه الأزهرُ من جهدٍ متواصلٍ للتجديد والتطوير، فلِلأَزهرِ شيخٌ يحكِيهِ، وقادةٌ ومشايخُ يجيدون عَرْض ما يبذلونَه من أجل رِفعة الإسلام وتأصيلِ رسالته بنشر أفكاره في كلِّ أرجاء العالم، من منطلق الدورِ التاريخيِّ للمؤسسةِ الوسطيةِ العريقة، التي يعرف القاصي والداني قَدْرَها، بينما يُهيلُ عليها نفرٌ من الجهلاء حثالةً من كَلِمَاتِهِمْ المدفوع.
والمؤسف أن تتجدَّدَ حملات الهجوم على الأزهر، في وقت كان من الوفاء أن نقومَ بشكر الأزهر تقديرًا على النجاح الباهر لزيارة شيخه التاريخية للمملكة المتحدة (أشرس معاقل الإسلاموفوبيا في العالم)، ومشاركة الإمام الطيب في منتدى صُنَّاع السلام بلندن، واستقبال ملكة بريطانيا لفضيلته في قصرها، مما عكس تقديرَ بلادِها لرئيسِ مجلس حكماء المسلمين ورمزِ الأزهر؛ أهمِّ مُؤَسَّسة إسلامية في العالم.
وختامًا، أُكَرِّرُها لهم لعلهم يفهمون.
الفقر (العِوَز) هو زاد الإرهاب. 
الظلم (القمع) أقوى دوافع الإرهابي.
الكبت السياسي (التهميش) هو المناخ المثالي لتفشي الإرهاب.
تجديد الخطاب الديني وحده لن يمنعَ الإرهابَ ولن يقضي على التطرف، قبل زوال البيئة والأسباب التي ينمو فيها هذا الفكر المدمر.


*نشر في صحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 1 أغسطس 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...