الأربعاء، 13 يونيو 2018

منتخب «ميسي» ينصر فلسطين




إن ما حدث هو بالفعل انتصار معنوي حقيقي للإرادة الفلسطينية على الصلف والغرور الإسرائيلي، في زمان عَزَّت فيه الانتصارات، وتوالَتْ فيه الانكسارات التي تُلاحِقُ القضية منذ أَنْ باعَها العرب وتجَرَّعوا في صمتٍ مطبقٍ قرارًا أميركيًّا أحمقَ بنقلِ سفارة «ترامب» ودولَتِهِ إلى القدس إيذانًا باختطاف المدينةِ المقدَّسة للأبد.
النصر حقيقة مهما تعدَّدَتْ الأسباب وتبايَنَتْ التحليلات، يكفي أن إسرائيل (نفسها) قد ألقَتْ باللوم على الضغط الفلسطينيِّ، واعترفت بأنه كان السبب الوحيد في إلغاء المباراة الوِدِّية التي كان من المقرر أن يلعبَها المنتخب الصهيوني لكرة القدم أمام منتخب الأرجنتين في إطارِ استعدادِ الأخير للمشاركة في بطولة كأس العالم التي تنطلق فعالياتُها الخميس 14 يونيو في روسيا.
واحتفل الفلسطينيون بإلغاء المباراة في غزة، بينما أصدر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بيانًا في رام الله بالضفة الغربية يشكر فيه ميسي وزملاءَه على إلغاء المباراة، معتبرًا الإلغاء «بطاقة حمراء من الجميع في وجه الإسرائيليين لإفهامهم أن لديهِم الحقَّ في لعب كرة القدم ضِمنَ حدودِهِمْ المعترف بها دوليًّا».
في المقابلِ أبدعت إسرائيل مصطلحًا مُخادِعًا جديدًا حيث وصفت ما حدث بأنه «إرهاب كروي فلسطيني»، في محاولة لتشويهِ نضال الشعب الفلسطيني وخداع الرأي العام العالمي، وقد أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتصالًا بنظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، في محاولةٍ للإبقاءِ على المباراة، إلا أن الأخيرَ رَدَّ بأنه غيرُ قادرٍ على التدخل.
وكان قد تظاهر جمع من المحتجين خارج مقر معسكر تدريب المنتخب الأرجنتيني في مدينة برشلونة الإسبانية حاملين قمصانًا للمنتخب ملطَّخَةً بالدماء، وداعين ميسي لعدم خوض المباراة، كما دعا جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم لـ«حرق» قميص ميسي وصُوَرِه في حال مشاركته في المباراة، معتبرًا أن المباراة «تحوَّلَت من لقاء رياضي إلى أداةٍ سياسيةٍ» بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على أن تكون المباراة في القدس، وكان مقررًا لها أن تُلعَب في حيفا.
أما الطرف الأرجنتيني فقد سعى إلى التأكيد على أن خُطوَتَه كانت رسالة «سلام»، ووفقاً لصحيفة «فوكس سبورت»، فقد اتَّفَقَ ميسي وماسكيرانو، مع باقي اللاعبين على ضرورة إلغاء المباراة، وقد صرح جونزالو هيجوايين لاعب المنتخب الأرجنتيني لوسائل الإعلام قائلاً: «كيف لنا أن نلعب ببال هادئ في الوقت الذي يعاني فيه كثير من الفلسطينيين؟!».
ولكن، هل سيُشبِعُنا انتصار صغير بعد صومنا الطويل؟
أظنه «فاتحَ شهية» فقط.
إن ما قام به ميسي ورفاقه نجوم «التانجو» للشعب الفلسطيني هو «لمسة حانية» قد تُجفِّف بعض دموع الثكالى من الأمهات اللائي سقط أبناؤُهُنَّ شهداء، فداء الوطن الأسير، وهو «شدَّة» على كَتِف أبٍ كسَرَه الحزن على إصابة أو اعتقال ابنه في أحداث مايو الماضي، التي صاحبَتْ النقل المشئوم للسفارة الأميركية، وهو الحَدَث الذي جَدَّد الجراح الفلسطينية، وأشعل من جديد جذوة المقاومة التي خَبَتْ بفعل شيخوخة النضال الفلسطيني الذي جاوز السبعين عامًا، وأصبح ينتظر تجديد شبابه.
إن الانتصارات الصغيرة، تجلب انتصاراتٍ أكبر، وإنجاز استمرار المقاومة والنضال رغم حالة التغييب الكاملة التي يعيشها مجتمعنا العربي، ونقص الدعم بكل أشكاله عن الشعب الفلسطيني، هو أمر يستحقُّ أن يفخر به كل الفلسطينيين، هذا الشعب البطل الذي ما زال يساند قضيته، مضحيًا بكل غالٍ كي يستعيد حقه المسلوب.
انصروا القدس كما فعلها «ميسي»، ولا تخجلوا من دعمكم لفلسطين، فهي تستحق منا الكثير، وإن عَزَّ علينا العطاء فكلمة بسيطة.. طيبة.. ربما تغيِّر تاريخاً وتعيد رسم خرائط الجغرافيا وتستعيد حقاً ضائعاً.
وكل عام وأنتم بخير.


   
                                                    *نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 13 يونيو 2018

الخميس، 7 يونيو 2018

«رجيم».. رمضان كريم



يبدو أن «نسر الصعيد» محمد رمضان قد اختَصَر (دون قصد) علاقة المصريين (الغميقة) مع الطعام خلال شهر رمضان، فقد تغنى مازحًا في إعلان إحدى شركات المحمول: «واللي يقول لك عامل رجيم.. قول له رمضان كريم».
وبين شطرَيْ الجملة تتأرجح حالتنا في كل عام مع ثبوت هلال الشهر الكريم، ننوي من اليوم الأول الاقتصاد في الطعام، وتحلق بنا الطموحات وراء حلم «الرجيم»، وبعد أن ينتهي إفطار هذا «اليوم الأول»، الذي يشتمل على كل ملامح الكرم الرمضاني المعروف لدى عموم المصريين، تتحطم وتنهار أحلام «الرجيم»، ونحن نلهث بين صنوف الطعام الشهية ونردد في «بلاهة» مأثورة: «رمضان كريم».
والحديث عن ارتفاع استهلاك المصريين (والمسلمين بشكل عام) في شهر رمضان، ليس كلامًا مرسلًا، بل هو واقع أليم نعيشه كل عام، فالدراسات تؤكد أن نحو 83 في المائة من الأسر المصرية تغير عاداتها الغذائية خلال شهر رمضان، ويزداد استهلاك المصريين بشكل ملحوظ من جميع الأغذية، وبحسب تقرير غرفة الصناعات الغذائية المصرية، «فإن معدلات استهلاك السلع الغذائية خلال شهر رمضان يرتفع بمعدل 70 في المائة، عن باقي أشهر السنة، ويرتفع استهلاك منتجات اللحوم والدواجن بنسبة 50 في المائة»، فيما أشار تقرير حكومي إلى أن الأسر المصرية تنفق 250 مليار جنيه سنويًّا على الطعام بما يمثل 45 في المائة من إجمالي إنفاقها السنوي، وشهر رمضان وحده يستأثر بالنصيب الأكبر منها مقارنة بباقي شهور العام، حيث يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلاله إلى 45 مليار جنيه بواقع 1.5 مليار جنيه يوميًّا.
ورغم هذا السلوك الاستهلاكي المنافي تمامًا للشهر الكريم، فإن الأشد قسوة هو ما كشفت عنه آخر الإحصائيات، حيث يتم إهدار نحو 1.3 مليار طن من الغذاء سنويًّا حول العالم، وبتكلفة تزيد على تريليون دولار، وتُعدّ الدول العربية من أكثر الدول إهدارًا للطعام، خصوصًا في شهر رمضان، إذ تذهب أطنان من الطعام للنفايات، وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول العربية الأكثر إهدارًا للطعام، إذ يُهدر المواطن السعودي 427 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا، وتتبعها الإمارات، بواقع 196 كيلوجرامًا، فيما أكد مسؤولون في منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة «فاو»، أن الفرد الواحد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يهدر 250 كيلوجرامًا من الطعام الصالح للأكل سنويا، لافتين إلى أن المواطن المصري الواحد يهدر 73 كيلوجرامًا من الطعام سنويًّا.
مجمل ما تضعنا أمامه الدراسات، أننا أمام نمط سلوكي لا يقبله الإسلام، ولا يليق بالمسلمين الذين حَوَّلوا شهر الامتناع إلى صراع على الإشباع.. وتسابق معظمهم في شبق محموم على الملذات الزائفة، مفرطين في كل شيء، من الطعام إلى المسلسلات حيارى بين خيام الحفلات.
ولا أضيف جديدًا عندما أذكِّرُكم بحكمة الصوم، وقد انتخبت كلمات طيبات، مختصرات (بتصرف) من الخواطر الإيمانية لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله) في تفسيره للآية الكريمة من سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، حيث ذكر أن الآية تحمل «تكليف محبة» من المولى عز وجل لـ«الذين آمنوا»، موضحًا أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى ميزة عظيمة وهي جماع الخير، وقد كتب علينا الصيام لنتقي الله، أي نتقي غضبه، ولنهذب شهواتنا، فكل معاصي النفس تنشأ من «شَرَهِ مادِّيَّتِها»، والصيام يضعف وقود المادية، والعبد إذا صام فإنه يتربّى على العبادة ويتروّض على المشقة، وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات، وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان.
وكل عام وأنتم بخير.



                                                                   *نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 6 يونيو 2018

السبت، 2 يونيو 2018

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ



يحاصرنا خلال شهر رمضان طوفان (معتاد) من الدراما، في أكبر موسم سنويٍّ لفنون التلفزيون المنَوَّعة من مسلسلات وبرامج وإعلانات، وهو ما اصطُلِح على تسميته بـ«موسم دراما رمضان»، الذي يستحوذ على نصيب الأسد من حصة الإعلانات التلفزيونية السنوية التي تخصصها كبرى الشركات والمؤسسات المحلية والدولية، التي تُعتبر الممول الرئيسي لهذه الصناعة الضخمة والمهمة، التي من المؤسِف أنها أصبحت تتركز فقط في الشهر الكريم، بدعوى أن فُرَص المشاهدة تكون أكبر وأفضل.
هذا المنطق التجاري أفسد علينا الشهر بزِحام الأعمال الْمُلهية للصغار والكبار، التي تحرمهم التركيز المناسب للعبادة، وأيضًا هذا المنطق الحاكم أضرَّ صناعة الدراما التلفزيونية نفسها، هذه الصناعة الاستراتيجية المهمة، التي تُعتَبَر قوة ناعمة مهمة ومؤثرة في دعم الدور المصري في محيطه الإقليمي والعربي.
لستُ مع أصوات تتعالى كل عام وتطالب بمنع الدراما في رمضان، ولكني لستُ مع هذا الكمِّ الكبير من الأعمال التي تخلُقُ حالةَ حصارٍ خانقٍ على المشاهد، كذلك لستُ مع هذا المستوى (المرتبِك) الذي تظهر به معظم الأعمال كلَّ عام رغم ما يبذله صُنَّاعها من جهد رهيب، يجعلهم يواصلون الليل بالنهار في الشهور القليلة السابقة للشهر الكريم، بل إن بعض هذه الأعمال يستمرُّ تصويره في معظم أيام رمضان.
لقد أصبح التعجُّلُ يفرض شروطه وضغوطه على هذه الصناعة ويؤثر بالسلب على شكل ومستوى المحتوى الذي تقدمه هذه الأعمال الفنية المنوط بها أن ترتقي بالجمهور.. تثقف الكبار وتسهم في تنشئة الصغار، مع عدم إغفال دورها الترفيهيِّ الترويحي.
إن مراجعةَ ما قدَّمَتْه الفضائيات المصرية من أعمال درامية في رمضان هذا العام، يكشف لنا ملامح الأزمة التي تزداد عمقًا وتستفحلُ في تأثيرها عامًا بعد آخر، منذ أن أُبعِدَتْ الدولة المصرية خلال السنوات الـ15 الماضية عن ممارسة دورها في توجيه وتنظيم ودعم وإنتاج الدراما المصرية التي تناسب طموحها وتواكب دورها، وتحقِّق أثرها، واكتفَتْ خلال هذه السنوات بالمشاهدة مثلنا، فنتج ما أصبح يحاصرُنا من عبثٍ دراميٍّ، قبل أن تحاول استعادة بعضَ هذا الدور بتوجيهٍ ودعمٍ رئاسيٍّ.
إن حالة «السُّعار» التي أصابت العاملين بالفنِّ (والإعلام) منذ هَبَطَ علينا مصطلح «الترافيك» قبل سنوات، جعل كل صُنَّاع الفن من المبدعين يلهثون بجنون للحصول على أعلى نسبة مشاهدة (أو متابعة أو قراءة أو إعجاب)، لذا هم على استعداد لتقديم كل التنازلات لتحقيق هذا الهدف الذي يضمن لهم الاستمرارية والبقاء في سوق شرسة في منافستها، عديمة الأخلاق في سُبُلِها.
ولهذا طغت أنواع وألوان محددة من الدراما (التجارية)، أغلبها يؤثر بشكل سلبي على المشاهد، وفي المقابل خَرَجَتْ وغابَتْ واختفَتْ ألوانُ الدراما الهادفة التي تحمِل رسائلَ تنويريةً للمتفرِّجِ الذي يعتَبِر الدراما النهرَ الرئيسَ الذي يرتوي منه بالقصص والحكايات التي تمنحه الطاقة الإيجابية والمعرفة الإنسانية.
إن فن الحكي (الدراما) من أقدم الفنون المصرية والعربية، فالحكاية هي الوسيلة الأقدم لنشر الحقيقة وتوثيقها وتوريثها عبر الأجيال، وهو فن رباني باقتدار، ولعل الآية الكريمة من سورة يوسف تُبلغنا بنوع المحتوى المرتجى.. أحسن القصص، حيث يقول تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أوحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ».
فهل نطمع أن يفَكِّر صناع الدراما المصرية في توفير آلية إنتاجية ثابتة لتقديم «أحسن القصص»، التي يحتاج إليها ويستحقُّها المشاهد المصري والعربي؟
أتمنى أن يتحقَّق هذا في العام المقبل، لا سيَّما مع ما يتردد من وجود نية في إعادة ترتيب السوق الدرامية بين كبار المنتجين، وبالتنسيق مع أجهزة الدولة التي أصبحت تلعب دورًا مؤثرًا في توجيهِ هذه الصناعة المهمَّة.
وكل عام وأنتم بخير.



*نشر بصحيفة «صوت الأزهر» بتاريخ 30 مايو 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...