الجمعة، 12 أكتوبر 2012

المسجد السياسي


تحرر المصريون بعد يناير 2011 من عبودية الأفكار النمطية وأخرجوا عقولهم من الكهف المعتم، وتمردوا على السير في ركب القطيع خلف الحاكم وأعوانه. وإذا كان تحرير العقل المصري هو القيمة التي حصدناها خلال عامين من الشقاء المتواصل، فهي نعمة كبيرة يجب ألا نفرط فيها ونعود لسابق عهدنا من الاستسلام والتسليم، فنجد أنفسنا أمام سيناريو مكرر لفساد نظام الحكم، وهو الفساد الذي يحدث بسبب رئيسي؛ هو سلبيتنا وتكاسلنا عن ممارسة دورنا بصفتنا شعبا يختار ويقيم ويحاسب حكامه بمنتهى الحزم والقوة.
طالت مقدمتي، ولكنها صلب في ما أنتوي الحديث عنه، وحديثي عن مستحدثات ولدت من رحم «يناير» ورسمت ملامح حياتنا السياسية المعاصرة؛ ويأتي على رأسها دخول السياسة إلى المسجد بعد أن كانت من المحرمات ومن الجرائم التي يعاقب عليها القانون في عصور سابقة، وولّد هذا الدخول جدلا مجتمعيا كبيرا وصل إلى حالة من التراشق بين القوى السياسية، وهو أمر لن يصل بنا إلى نتائج إيجابية نرجوها جميعا.
أرى أنه على المجتمع أن يعيد التفكير في هذه القضية ويقننها بشكل يتناسب مع احتياجاته، خاصة بعد أن أصبحت أمرا واقعا.. فكل مساجد مصر أصبحت منابر سياسية تعبر عن قوى إسلامية تمارس السياسة، وحتى يحدث هذا التقنين يجب أن يتواصل حوار ناضج بين التيارات المختلفة.. نناقش فيه قضية السياسة داخل المسجد، وأيضا داخل الكنيسة، والجامعة، والمدرسة، وكل مؤسسات الدولة التي يمكن أن تستثمر من بعض القوى الحزبية لممارسة عملها السياسي، مع ضرورة أن نضع في الاعتبار تجارب الماضي في المنع والسماح بدخول السياسة إلى هذه المؤسسات وتأثيراتها السلبية والإيجابية على المجتمع وتماسكه. 
وربما يكون «المسجد السياسي» هو الأكثر إلحاحا في هذه اللحظة، خاصة بعد أن تنامت شجرة الإسلام السياسي وتباينت فروعها وثمراتها.. ورغم التحالف الظاهري بين هذه الفروع في مواجهة التيار المدني، فإن بوادر الاختلاف والانقسام والتصارع بدأت تلوح في الأفق، وهو نذير شر علينا أن نتجنبه.. كما أن ممارسة السياسة في دور العبادة ستسمح لإخواننا الأقباط بأن يفعلوا المثل في كنائسهم.. فهل يحتمل المجتمع ذلك؟ لا أدري، وليست لدي إجابات مجهزة عن هذه المعضلة.
ولعلي أقبل ما قاله الأستاذ حسن البنا، رحمه الله، في «رسالة بين الأمس واليوم»: «إذا قيل لكم: إلامَ تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه. فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام«.
كما أقبل فكر الليبرالية الداعي لفصل الدين عن السياسة، وجعل «ما لله لله، وما لقيصر لقيصر»، فهو نتاج تراكم معرفي وخبرات إنسانية عظيمة خاضتها البشرية ووصلت فيها إلى نتيجة اعتقدت أنها الأصوب تتيح لأصحاب ديانات مختلفة أن يعيشوا في سلام تحت سماء وطن واحد.
كلاهما صحيح، لأن للحقيقة وجوها عدة ومذاهب شتى كلها على صواب وكلها أحق أن تتبع، لكن خصوصية مصر تجعل الاختيار بين «الدينية» و«المدنية» شديد الصعوبة والخطورة.. لهذا، فالأمر يحتاج إلى تنوير وتفكير وحسن تدبير لصناعة اختيار بديل يحقق التوافق المجتمعي المرتجى.

نشر هذا المقال في جريدة صوت الأزهر في عدد الصادر يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012

هناك تعليق واحد:

  1. أستاذى الفاضل ،، أما عن تحرر العقل المصرى ، فقد أصبت الهدف بقولك " تحرر المصريون بعد يناير 2011 من عبوديةالأفكار النمطية وأخرجوا عقولهم من الكهف المعتم " فقد تحرر الشعب من جبروت وغطرسة النظام السابق ، لكنه لم يتحرر حتى الآن من فكرة الانحياز للأقوى ، فمازال الكثير من الشعب يصفق للنظام الحالى ، ليس اقتناعاً بالانجازات الوهمية التى لم تتحقق ولكن استمراراً لمبدأ راسخ " عاش الملك .. مات الملك " .
    وفيما يعلق بدخول السياسة للمسجد ، فأضم صوتى لصوتك محذراً ومناشداً المجتمع بوقفه حازمة ضد ما يحدث بالمساجد خوفاً من حرب أهلية تقضى على الأخضر واليابس بمصرنا الحبيبه .

    ردحذف

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...