الجمعة، 5 أكتوبر 2012

جسر الأزهر



أرى، ومعي كثيرون، أن الأزهر الشريف هو الحصن الأخير الذي يحتمي به الدستور الوليد المنعقدة لجنته التأسيسية برئاسة المستشار حسام الغرياني لوضع اللمسات الأخيرة عليه قبل طرحه للاستفتاء الشعبي خلال أسابيع قادمة.. ونوع الحماية المطلوبة من الأزهر؛ شيخا ومؤسسة، هو فض الاشتباك الديني المثار دائما بين أطراف عدة بالمجتمع تطالب بنصوص أو ضوابط دستورية وفق تفسيرها الخاص وقراءتها المرجعية للإسلام.
ورغم ضغوط عديدة تمارس على الأزهر - لا تخطئها عين - فإن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب يجاهد بصبر ومثابرة كي يلعب هذا الدور المحوري والمؤثر في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الأمة، منذ أن نجح في أن يجمع توافق القوى السياسية على «وثيقة الأزهر» الشهيرة وحتى اجتماعات الأسبوع الماضي مع القوى الليبرالية والإسلامية لحسم خلافات كبيرة شقت الصف داخل الجمعية التأسيسية للدستور، ودفعت البعض للتلويح بالانسحاب من الجمعية اعتراضا على رغبة البعض الآخر من القوى السياسية في فرض رأي أو ترجيح تفسير يعتقد صوابه..
وهو ما عالجه الإمام الأكبر بحكمة وهدوء، أعادت السكينة إلى المجتمعين وأذابت جزءا كبيرا من الخلافات والاختلافات، فعاد الجميع إلى اجتماعاتهم لبحث التفاصيل النهائية لأبواب الدستور الذي تنتظره جموع المصريين.
وخلافات الرأي أمر بديهي في وضع دستور جديد لأي دولة في العالم، تحلم أن تضع بهذا الدستور لبنات أولى لمستقبل تظنه أفضل، ولما كانت الطموحات كبيرة في دستور مصر بعد 25 يناير 2011، فإن الخلاف طبيعي، لكن أخطر ما يواجه هذه الخلافات هو «أسلمتها»، فهذا الخلاف الديني يضعنا في مأزق الانزلاق إلى فتنة، ويزيد من صعوبة الموقف حالة الاستقطاب المجتمعي التي شطرت المجتمع إلى نصفين، ينظر كل «نصف» للآخر بريبة وشك وتربص.
وهذا هو مربط الفرس في مقالي هذا.. إني أرجو فضيلة الإمام الأكبر أن يدعو كل القوى السياسية والدينية في مصر إلى مؤتمر عاجل للمصالحة الوطنية في رحاب الأزهر الشريف، ليعيد النصفين كليهما لبعض، ويكون المؤتمر هو «الجسر» الذي تعبر عليه مصر من كبوتها إلى مستقبل مشرق نتمناه لها بسواعد أبنائها.  
إن نبرة العداء والاتهامات المجانية المتبادلة بين أطراف العمل الوطني في مصر، أصبحت كارثة تعرقل مسيرة الوطن نحو بناء مؤسساته الوطنية، كما أن اتساع الهوة بين تياري السياسة المصرية - الديني والليبرالي - يجبرنا على أن نبني هذا الجسر وبأسرع وقت ممكن، ولا يوجد أمامنا اختيار بديل إلا الأزهر الشريف؛ منبر التسامح والعقلانية في مجتمع يعيش تخبطه الثوري ويبحث عن دليل يهديه.
إن رجائي إلى فضيلة الإمام الأكبر مبعثه اقترابنا من لحظات كثيرة فارقة تحسم مصير الدستور وجمعيته، ولحظات أشد قسوة سنشهد فيها أشرس انتخابات برلمانية ستعرفها مصر في تاريخها السياسي، لذا، وقبل أن تسرقنا شهوة السلطة إلى صراع لا ينتهي إلا بالدم، فإن المصالحة أصبحت فرض عين على كل مصري كي تصبح المنافسة شريفة ونزيهة.. وحقيقية.

نشر هذا المقال في جريدة "صوت الأزهر" عددها الصادر 5 أكتوبر 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...