الخميس، 25 أكتوبر 2012

مشكلة الإسلام 2



عن فصل علاقة الدين (السماء) بالدولة (الأرض) نتحدث اليوم، وهي الإشكالية «الأم» في العقل العربي المعاصر، وليس استسهالا أن أبدأ القول بأنها فكرة لا معنى لها وهي جملة «مشبوهة» تستخدم لمزيد من الشقاق بين عنصري الأمة - في عصرنا الحالي -  دينيين ومدنين.. فالإسلام لم يكن مطلقا دينا، فهو دنيا كاملة، والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وفق تصور فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وضع الحد لمجال تدخل السماء في حركة الأرض، وأطلق العنان للنفس البشرية لتتفاعل مع الكون.. والإسلام حينما ينظر إلى حركة الحياة يفرق بين حركة بنت تجربة، وحركة وليدة هوى.
هنا مكمن الخطر، إن اللعب بـ«الإسلام» وفق الهوى واستخدامه من أهل السياسة وتوظيفه لمصالح انتخابية جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، ويجب أن لا تستخدم حجة أنه لا فصل بين الدين والدولة لإرهابنا، لأننا لا نفصل.. ولا يوجد مسلم عاقل يفكر في هذا الفصل الفاسد شرعا، لكننا نريد فصلا آخر بين الأهواء والإسلام.. فصلا بين هوس السلطة وحب الدين.. فصلا بين لذة الحكم ومتعة التقرب إلى الله.
وأنا أجهز لمقالي هذا، استمعت «مصادفة» لكلمة الرئيس المصري محمد مرسي عقب صلاة الجمعة الأخيرة في محافظة مطروح، حيث قال نصا: «أريد فعلا أن أنصت إليكم وأستمع، وسوف ألتقي بكم.. لأننا في المسجد الآن، لعل المكان في المسجد غير مناسب لهذا، وإن كان المسجد كان دائما على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما تعلمون هو المكان الذي تنطلق منه كل أعمال المجتمع.. أقول سوف يكون هناك لقاءان بعد الآن؛ واحد منهم مع المشايخ والقبائل، والآخر مفتوح للجميع».
إن التردد واضح في خطاب الرئيس بشأن استخدام المسجد في السياسة.. هو يرى أنه «مكان غير مناسب» لكنه يخشى من مغالاة بعض المتشددين فيعود ليؤكد دوره الجامع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو دور لا ينكره إلا جاحد، كما لا يستطيع أن ينكر إلا جاهل أن حركة التطور الإنساني هي التي فرضت على الرئيس المصري أن يصطحب جماهيره إلى سرادق بعيد عن المسجد، وما لم يقله الرئيس مرسي لكنه وصل ضمنيا من حديثه ومحاولته تهدئة الجماهير المحتشدة وحثها على احترام المسجد بعدم الهتاف، هو أن صخب اللقاءات السياسية عمل لا يناسب قدسية المسجد ودوره الرئيسي كمكان للعبادة.
لكن هل يعتبر ما قام به الرئيس مرسي فصل للدين عن الدولة، وهل قيام مصر تحت قيادته بالاقتراض من صندوق النقد مخالفة لشريعة الإسلام، وهل مخاطبته الرئيس الإسرائيلي بيريز بـ«صديقي العزيز» تعتبر «خيانة وطنية ودينية» - بحسب قيادي إخواني - وأخيرا: هل يمكن وزن الذهب بميزان «قباني»؟؟؟؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الحلقة المقبلة إن شاء الله.


 نشر هذا المقال في جريدة صوت الأزهر في عدد الصادر يوم الجمعة 26 أكتوبر 2012

الجمعة، 19 أكتوبر 2012

مشكلة الإسلام 1


لا حول ولا قوة إلا بالله، هل يمكن أن يتحول الإسلام إلى مشكلة؟ سؤال مثير وساخن أرجو ألا يتوقف عنده القارئ قبل أن يستكمل رحلته مع سلسلة من المقالات التي ستتوالى تحت هذا العنوان.
بداية، المشكلة ليست في الدين الذي تحول على أيدينا إلى مشكلة، فأمور كثيرة في حياتنا تحولت بفعل الجهل إلى مشاكل مزمنة.. ولعل ما حدث في ميدان التحرير يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012 وتداعياته تؤكد مدى ما بلغناه من جهل، وتنذر بما هو قادم.
حفظ الله مصر.
ولكن متى أصبح الإسلام مشكلة، وكيف يمكن أن يتحول «دليل هدى» إلى «مرشد ضلال»، وكيف ينقلب النور إلى ظلمة، وكيف تتبدل راحة القلوب وسماحتها إلى غلظة وقسوة وحقد؟ أسئلة كثيرة تستنطق الصمت الذي خيم على المصريين، وتدفع كل مهموم بقضايا هذه الأمة إلى أن يجتهد في بحور الإجابات.
وفي سياق هذا الإبحار، سألتقط من التاريخ الحديث «لحظتين».. أعتقد أنه حتى الآن لم يستطع العقل المسلم المعاصر هضمهما بشكل طيب، وشكلتا لديه حالة من عسر الهضم والفهم والامتصاص، وهو ما ساعد على بقائنا لقرنين من الزمان في حالة انتفاخ فكري؛ شفانا الله وإياكم من شره.
أما اللحظة الأولى فهي: الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801 ميلادية، والثانية كانت: سقوط الخلافة العثمانية عام 1923، وأعتقد أن كل الأحداث التي مرت على أمتنا الإسلامية في العصر الحديث كانت أسيرة لهاتين اللحظتين، وأعتقد أن اللحظة الثالثة التي تقاربهما في الثقل على الإسلام والمسلمين هي لحظة وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر قبل أشهر من عامنا هذا 2012، وسأترك الزمن ليحكم على عمق تأثير اللحظة الثالثة ومدى أهميتها في سياق التاريخ الإسلامي.
وأمام اللحظات الثلاث تجسدت مشكلة الإسلام، أو مشكلتنا مع الإسلام، وبدلا من أن يدفعنا زخم هذه اللحظات ودوي تأثيرها إلى الاجتهاد والتعقل، سقطنا في بئر الصراعات والخلافات، وأمام كل لحظة تجسد انشطار الأمة إلى فصيلين متصارعين يدعى كلاهما احتكاره الحقيقة.    
وتمثل هذه القناعة أولى ملامح الجهل الذي أدخلنا هذا السرداب، الذي لم تفلح كل الجهود في أن تخرجنا منه طوال أكثر من قرنين من الزمان.
لو فهمنا ثقافة الاختلاف، وتعملنا قبول الآخر وبحثنا دوما عما نتفق فيه كي نتقارب، لكنّا أنهينا هذا الليل الذي طال بأكثر من قدرته على الاحتمال.. ولو كنا شعرنا بإسلامنا، لذابت قلوبنا في فيض نوره.
وفي تشخيصه البديع لمشكلتنا مع الإسلام، أوجز كاتبنا الكبير الأستاذ خالد محمد خالد، رحمه الله، قائلا: «إننا من طول ما ألفنا بعض الآيات القرآنية، وبعض الأحاديث النبوية، أصبحنا لا نهتز من أعماقنا للسر الباهر الذي تحمله، والحكمة الثاقبة التي تمنحها».

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

المسجد السياسي


تحرر المصريون بعد يناير 2011 من عبودية الأفكار النمطية وأخرجوا عقولهم من الكهف المعتم، وتمردوا على السير في ركب القطيع خلف الحاكم وأعوانه. وإذا كان تحرير العقل المصري هو القيمة التي حصدناها خلال عامين من الشقاء المتواصل، فهي نعمة كبيرة يجب ألا نفرط فيها ونعود لسابق عهدنا من الاستسلام والتسليم، فنجد أنفسنا أمام سيناريو مكرر لفساد نظام الحكم، وهو الفساد الذي يحدث بسبب رئيسي؛ هو سلبيتنا وتكاسلنا عن ممارسة دورنا بصفتنا شعبا يختار ويقيم ويحاسب حكامه بمنتهى الحزم والقوة.
طالت مقدمتي، ولكنها صلب في ما أنتوي الحديث عنه، وحديثي عن مستحدثات ولدت من رحم «يناير» ورسمت ملامح حياتنا السياسية المعاصرة؛ ويأتي على رأسها دخول السياسة إلى المسجد بعد أن كانت من المحرمات ومن الجرائم التي يعاقب عليها القانون في عصور سابقة، وولّد هذا الدخول جدلا مجتمعيا كبيرا وصل إلى حالة من التراشق بين القوى السياسية، وهو أمر لن يصل بنا إلى نتائج إيجابية نرجوها جميعا.
أرى أنه على المجتمع أن يعيد التفكير في هذه القضية ويقننها بشكل يتناسب مع احتياجاته، خاصة بعد أن أصبحت أمرا واقعا.. فكل مساجد مصر أصبحت منابر سياسية تعبر عن قوى إسلامية تمارس السياسة، وحتى يحدث هذا التقنين يجب أن يتواصل حوار ناضج بين التيارات المختلفة.. نناقش فيه قضية السياسة داخل المسجد، وأيضا داخل الكنيسة، والجامعة، والمدرسة، وكل مؤسسات الدولة التي يمكن أن تستثمر من بعض القوى الحزبية لممارسة عملها السياسي، مع ضرورة أن نضع في الاعتبار تجارب الماضي في المنع والسماح بدخول السياسة إلى هذه المؤسسات وتأثيراتها السلبية والإيجابية على المجتمع وتماسكه. 
وربما يكون «المسجد السياسي» هو الأكثر إلحاحا في هذه اللحظة، خاصة بعد أن تنامت شجرة الإسلام السياسي وتباينت فروعها وثمراتها.. ورغم التحالف الظاهري بين هذه الفروع في مواجهة التيار المدني، فإن بوادر الاختلاف والانقسام والتصارع بدأت تلوح في الأفق، وهو نذير شر علينا أن نتجنبه.. كما أن ممارسة السياسة في دور العبادة ستسمح لإخواننا الأقباط بأن يفعلوا المثل في كنائسهم.. فهل يحتمل المجتمع ذلك؟ لا أدري، وليست لدي إجابات مجهزة عن هذه المعضلة.
ولعلي أقبل ما قاله الأستاذ حسن البنا، رحمه الله، في «رسالة بين الأمس واليوم»: «إذا قيل لكم: إلامَ تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه. فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام«.
كما أقبل فكر الليبرالية الداعي لفصل الدين عن السياسة، وجعل «ما لله لله، وما لقيصر لقيصر»، فهو نتاج تراكم معرفي وخبرات إنسانية عظيمة خاضتها البشرية ووصلت فيها إلى نتيجة اعتقدت أنها الأصوب تتيح لأصحاب ديانات مختلفة أن يعيشوا في سلام تحت سماء وطن واحد.
كلاهما صحيح، لأن للحقيقة وجوها عدة ومذاهب شتى كلها على صواب وكلها أحق أن تتبع، لكن خصوصية مصر تجعل الاختيار بين «الدينية» و«المدنية» شديد الصعوبة والخطورة.. لهذا، فالأمر يحتاج إلى تنوير وتفكير وحسن تدبير لصناعة اختيار بديل يحقق التوافق المجتمعي المرتجى.

نشر هذا المقال في جريدة صوت الأزهر في عدد الصادر يوم الجمعة 12 أكتوبر 2012

الجمعة، 5 أكتوبر 2012

جسر الأزهر



أرى، ومعي كثيرون، أن الأزهر الشريف هو الحصن الأخير الذي يحتمي به الدستور الوليد المنعقدة لجنته التأسيسية برئاسة المستشار حسام الغرياني لوضع اللمسات الأخيرة عليه قبل طرحه للاستفتاء الشعبي خلال أسابيع قادمة.. ونوع الحماية المطلوبة من الأزهر؛ شيخا ومؤسسة، هو فض الاشتباك الديني المثار دائما بين أطراف عدة بالمجتمع تطالب بنصوص أو ضوابط دستورية وفق تفسيرها الخاص وقراءتها المرجعية للإسلام.
ورغم ضغوط عديدة تمارس على الأزهر - لا تخطئها عين - فإن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب يجاهد بصبر ومثابرة كي يلعب هذا الدور المحوري والمؤثر في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الأمة، منذ أن نجح في أن يجمع توافق القوى السياسية على «وثيقة الأزهر» الشهيرة وحتى اجتماعات الأسبوع الماضي مع القوى الليبرالية والإسلامية لحسم خلافات كبيرة شقت الصف داخل الجمعية التأسيسية للدستور، ودفعت البعض للتلويح بالانسحاب من الجمعية اعتراضا على رغبة البعض الآخر من القوى السياسية في فرض رأي أو ترجيح تفسير يعتقد صوابه..
وهو ما عالجه الإمام الأكبر بحكمة وهدوء، أعادت السكينة إلى المجتمعين وأذابت جزءا كبيرا من الخلافات والاختلافات، فعاد الجميع إلى اجتماعاتهم لبحث التفاصيل النهائية لأبواب الدستور الذي تنتظره جموع المصريين.
وخلافات الرأي أمر بديهي في وضع دستور جديد لأي دولة في العالم، تحلم أن تضع بهذا الدستور لبنات أولى لمستقبل تظنه أفضل، ولما كانت الطموحات كبيرة في دستور مصر بعد 25 يناير 2011، فإن الخلاف طبيعي، لكن أخطر ما يواجه هذه الخلافات هو «أسلمتها»، فهذا الخلاف الديني يضعنا في مأزق الانزلاق إلى فتنة، ويزيد من صعوبة الموقف حالة الاستقطاب المجتمعي التي شطرت المجتمع إلى نصفين، ينظر كل «نصف» للآخر بريبة وشك وتربص.
وهذا هو مربط الفرس في مقالي هذا.. إني أرجو فضيلة الإمام الأكبر أن يدعو كل القوى السياسية والدينية في مصر إلى مؤتمر عاجل للمصالحة الوطنية في رحاب الأزهر الشريف، ليعيد النصفين كليهما لبعض، ويكون المؤتمر هو «الجسر» الذي تعبر عليه مصر من كبوتها إلى مستقبل مشرق نتمناه لها بسواعد أبنائها.  
إن نبرة العداء والاتهامات المجانية المتبادلة بين أطراف العمل الوطني في مصر، أصبحت كارثة تعرقل مسيرة الوطن نحو بناء مؤسساته الوطنية، كما أن اتساع الهوة بين تياري السياسة المصرية - الديني والليبرالي - يجبرنا على أن نبني هذا الجسر وبأسرع وقت ممكن، ولا يوجد أمامنا اختيار بديل إلا الأزهر الشريف؛ منبر التسامح والعقلانية في مجتمع يعيش تخبطه الثوري ويبحث عن دليل يهديه.
إن رجائي إلى فضيلة الإمام الأكبر مبعثه اقترابنا من لحظات كثيرة فارقة تحسم مصير الدستور وجمعيته، ولحظات أشد قسوة سنشهد فيها أشرس انتخابات برلمانية ستعرفها مصر في تاريخها السياسي، لذا، وقبل أن تسرقنا شهوة السلطة إلى صراع لا ينتهي إلا بالدم، فإن المصالحة أصبحت فرض عين على كل مصري كي تصبح المنافسة شريفة ونزيهة.. وحقيقية.

نشر هذا المقال في جريدة "صوت الأزهر" عددها الصادر 5 أكتوبر 2012

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...