عن فصل علاقة الدين (السماء) بالدولة (الأرض) نتحدث
اليوم، وهي الإشكالية «الأم» في العقل العربي المعاصر، وليس استسهالا أن أبدأ القول
بأنها فكرة لا معنى لها وهي جملة «مشبوهة» تستخدم لمزيد من الشقاق بين عنصري الأمة
- في عصرنا الحالي - دينيين ومدنين..
فالإسلام لم يكن مطلقا دينا، فهو دنيا كاملة، والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
وفق تصور فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، وضع الحد لمجال تدخل السماء في حركة
الأرض، وأطلق العنان للنفس البشرية لتتفاعل مع الكون.. والإسلام حينما ينظر إلى
حركة الحياة يفرق بين حركة بنت تجربة، وحركة وليدة هوى.
هنا مكمن الخطر، إن اللعب بـ«الإسلام» وفق
الهوى واستخدامه من أهل السياسة وتوظيفه لمصالح انتخابية جريمة يجب أن يعاقب عليها
القانون، ويجب أن لا تستخدم حجة أنه لا فصل بين الدين والدولة لإرهابنا، لأننا لا
نفصل.. ولا يوجد مسلم عاقل يفكر في هذا الفصل الفاسد شرعا، لكننا نريد فصلا آخر
بين الأهواء والإسلام.. فصلا بين هوس السلطة وحب الدين.. فصلا بين لذة الحكم ومتعة
التقرب إلى الله.
وأنا أجهز لمقالي هذا، استمعت «مصادفة» لكلمة
الرئيس المصري محمد مرسي عقب صلاة الجمعة الأخيرة في محافظة مطروح، حيث قال نصا:
«أريد فعلا أن أنصت إليكم وأستمع، وسوف ألتقي بكم.. لأننا في المسجد الآن، لعل
المكان في المسجد غير مناسب لهذا، وإن كان المسجد كان دائما على عهد رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) كما تعلمون هو المكان الذي تنطلق منه كل أعمال المجتمع..
أقول سوف يكون هناك لقاءان بعد الآن؛ واحد منهم مع المشايخ والقبائل، والآخر مفتوح
للجميع».
إن التردد واضح في خطاب الرئيس بشأن استخدام
المسجد في السياسة.. هو يرى أنه «مكان غير مناسب» لكنه يخشى من مغالاة بعض
المتشددين فيعود ليؤكد دوره الجامع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو دور لا
ينكره إلا جاحد، كما لا يستطيع أن ينكر إلا جاهل أن حركة التطور الإنساني هي التي
فرضت على الرئيس المصري أن يصطحب جماهيره إلى سرادق بعيد عن المسجد، وما لم يقله
الرئيس مرسي لكنه وصل ضمنيا من حديثه ومحاولته تهدئة الجماهير المحتشدة وحثها على
احترام المسجد بعدم الهتاف، هو أن صخب اللقاءات السياسية عمل لا يناسب قدسية
المسجد ودوره الرئيسي كمكان للعبادة.
لكن هل يعتبر ما قام به الرئيس مرسي فصل للدين
عن الدولة، وهل قيام مصر تحت قيادته بالاقتراض من صندوق النقد مخالفة لشريعة
الإسلام، وهل مخاطبته الرئيس الإسرائيلي بيريز بـ«صديقي العزيز» تعتبر «خيانة
وطنية ودينية» - بحسب قيادي إخواني - وأخيرا: هل يمكن وزن الذهب بميزان
«قباني»؟؟؟؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الحلقة المقبلة
إن شاء الله.
نشر هذا المقال في جريدة صوت الأزهر في عدد الصادر يوم الجمعة 26 أكتوبر 2012