الجمعة، 25 مارس 2011

الرئيس القادم لمصر.. والبحث عن «كبس النور»



أرى ومعي كثيرون أن شخص الرئيس القادم لمصر هو الموضوع الأهم في هذه اللحظة الفارقة التي تنجرف فيها البلاد إلى مجهول، رغم ما سيغرقنا فيه هذا الموضوع من أحاديث الساعة في مصر، وتفاصيل هذه الأحاديث، من أمور باتت تحتاج إلى علماء في كل مجالات الحياة لتفسير التفاصيل وتحليل التأويل، وربما تحتاج إلى عرافة لـ«فتح المندل».

لقد تشكلت هذه الحالة الملتبسة، بعد أن أخذنا استفتاء 19 مارس (آذار) - الذي أجري على حزمة من التعديلات الدستورية حصلت على موافقة الأغلبية - إلى نفق مظلم انحشر فيه جميع المصريين، سواء من قالوا نعم أو من قالوا لا. وبدأ الجميع يتخبط بحثا عن «كبس النور» لإضاءة الوطن المظلم، وكنا قبل هذا الاستفتاء نتحسس طريقنا وسط «بصيص نور» تولّد في مصر بفعل شعلة الثورة الوطنية المخلصة التي هدفت منذ لحظتها الأولى إلى بناء مصر الجديدة، وهي الشعلة التي أطفأها ما جرى في الاستفتاء وليس نتيجته.
أعلم قسوة تعبير «الوطن المظلم»، ولكنها الحقيقة المرّة والنتيجة الحتمية لنظام قمعي استمر في حكم مصر طوال 30 عاما، استغل فيها ذراعيه في الإعلام والثقافة لتجريف العقل المصري، ففسد وطاله العطب، لدرجة تستدعي تغييره تماما، وليس تغييبه بسحر الدين كما يحدث الآن.
نظرة سريعة على المشهد السياسي المصري تدلل على ما أقول، يتصدر المشهد تعبير «غزوة الصناديق» الذي أطلقه أحد مشايخ السلفية، محمد حسين يعقوب، في وصفه لاستفتاء التعديلات الدستورية، وتتخلله قصة حكاها لي سائق تاكسي أوقعني حظي العثر لقضاء ساعة معه في «توصيلة» لا تستغرق دقائق بفعل فوضى الزحام المسيطرة على كل شوارع القاهرة. باغتني السائق بعد دقائق من ركوبي معه قائلا: «شفت اللي حصل للبرادعي يا باشا»، وأكمل بعد أن نعته بمختارات من قاموس «الشتيمة» المصري، موضحا: «خد علقة موت.. عشان يتأدب.. قال كان رايح المقطم يوزع فلوس على الناس وجايب معاه بنته كمان.. شفت الاستهبال يا باشا».
ولن أستطيع أن أكمل حديث السائق لما احتواه من ألفاظ يعاقب عليها القانون، وصف بها الدكتور البرادعي وابنته، وهو حديث لا علاقة له بالواقع إلا تعرض البرادعي للاعتداء في المقطم.
إن قصة هذا السائق تعبر عن مستوى متدن من التحفيز ضد رجل حائز على أرفع تقدير من الدولة المصرية بخلاف مكانته الدولية، وهو تحفيز كان قد بدأ بقوة وقسوة في عهد الرئيس السابق مبارك.
ما حدث مع البرادعي في المقطم واقعيا، وما تم تناقله بعد تحريفه من قصص ملفقة عن هذه الواقعة وقد ردده أكثر من شخص أمامي، يوضح نية ما لاغتيال البرادعي معنويا، وهو ما فسره لي أحد المقربين من دوائر الحكم في مصر بأن هناك نية لإضعاف فرصته في تولي منصب رئيس الجمهورية.
إن بورصة المرشحين لمنصب الرئيس القادم لمصر قد بدأت في التداول مبكرا، وقبل استفتاء 19 مارس بأيام، وضمت قائمة المرشحين سبعة أسماء، أعلنوا بشكل واضح عن رغبتهم في ذلك، منهم ثلاثة من أبناء مدرسة وزارة الخارجية المصرية؛ وهم عمرو موسى، ومحمد البرادعي، وعبد الله الأشعل. وثلاثة ينتمون للمعارضة المصرية؛ وهم حمدين صباحي، وأيمن نور، وهشام البسطويسي. وأخيرا الفريق محمد علي بلال، وهو قائد عسكري سابق للقوات المصرية في حرب تحرير الكويت عام 1991.
وهناك أربعة أسماء أخرى تم طرحها بقوة، منها اثنان ينتميان سابقا للمؤسسة العسكرية؛ وهما أحمد شفيق، وعمر سليمان، رغم التراجع الحاد في شعبيتهما بعد الثورة. واثنان ينتميان لتيار الإسلام السياسي؛ وهما القيادي الإخواني عبد المنعم أبو الفتوح والداعية الإسلامي عمرو خالد. جميعهم لم يعلن عن رغبته، لكن هناك من مريديهم من يطالبهم بالترشح، سواء من خلال تجمعات جماهيرية أو «جروبات» على «فيس بوك».
وبعيدا عن الأسماء القابلة للزيادة والتضاعف، خلال الأيام المقبلة، وبعيدا أيضا عن فرص هذه الأسماء في النجاح من عدمه، فقد أحدث الاستفتاء الأخير ونتائجه مفارقة هامة جديرة بالملاحظة وهي أن كل هذه الأسماء كانت في الجبهة المهزومة مع من قالوا «لا» في الاستفتاء الأخير، أي أنهم في جبهة الأقلية، مما يضعف فرصتهم في الفوز، وهو ما فسره المصدر السابق قائلا: «اسم رئيس مصر القادم لم يطرح بعد على الرأي العام.. وملف هذا الرئيس المرشح ربما يكون موجودا في درج مكتب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وسيخرج في الوقت المناسب».
كان المفكر المصري الدكتور مصطفى الفقي قد تعرض لهجمة شرسة قبل عام، عندما صرح بأن رئيس مصر القادم لن يأتي إلا بموافقة أميركية - إسرائيلية؛ حيث قال نصا في حوار أجرته معه صحيفة «المصري اليوم» القاهرية: «لا أعتقد أنه سيأتي رئيس قادم لمصر وعليه فيتو أميركي ولا حتى اعتراض إسرائيلي للأسف».
فتحت كلمات الفقي - الذي عمل لسنوات داخل مؤسسة الرئاسة المصرية - الطريق مبكرا، وفي عهد مبارك، للحديث عن القوى المؤثرة في اختيار رئيس مصر القادم، وقتها كان الشعب المصري يقف موقف المتفرج، لكن اليوم وبعد ثورة يناير أصبح لهذا الشعب دور رئيسي في هذا الاختيار، أما الأدوار الخارجية سواء لأميركا أو إسرائيل أو غيرهما من دول عربية أو إقليمية، وعلى رأسها إيران، فهو ما سيدفعنا للحديث عمن يؤثر على هذا الشعب.
لقد أثبت استفتاء 19 مارس أن الدين هو المحرك الرئيسي الذي يدفع المصريين إلى الموافقة أو الرفض لأي اختيار سياسي، وهو ما كشف عنه بوضوح الصراع بين الحركة الإسلامية والأقباط، والذي كشف عن ضعف النخبة المثقفة من الحكماء، وأوضح مدى حاجة شباب الثوار للوقت كي يشتد عودهم في معترك الحياة السياسية بألاعيبه ودهاليزه.
وعليه تصبح جماعة الإخوان المسلمين، بما لها من تاريخ وثقل تنظيمي، على قمة الهيكل السياسي المصري الهش، هي القوة الأكثر تأثيرا، يأتي بعدها مباشرة الأقباط - عددا وليس تنظيميا - وبفعل الظلام ستزداد حالة الاستقطاب بين المسلمين والأقباط، وهو ما ستؤكده الأيام المقبلة، خاصة مع ضغط الوقت المتبقي على الانتخابات، سواء البرلمانية أو الرئاسية؛ فأزمة اختيار الرئيس هي نفسها أزمة اختيار نواب البرلمان، فلن يمتلك القدرة على الحركة وسط الظلام إلا خفافيش الظلام.
رحلة البحث عن «كبس النور» وسط الظلام تدفع الناس للتحرك في قطيع يتحسس طريقه بصعوبة، يخطئ ويتعثر دائما، وهو ما سيجعل حالة الظلام مستمرة لفترة أطول، لأن فيها منفعة لأصحاب المصالح والراغبين في القفز على حكم مصر، المزعج حقا أن يحدث هذا في حماية الجيش.
إن حياة الظلام التي نعيشها في مصر، جعلتها مرتعا للشائعات والفوضى، بشكل لا يحتمله جسدها المرهق بعد رحلة فساد طويلة، مما جعلها ترتكن في يأس على حائط الدين مصدر الأمان الوحيد في هذه اللحظات الخائفة، وهو ما تم استغلاله - وسيتم - بصورة أكثر شراسة في المراحل المقبلة.
ولن أجد تأكيدا أفضل على هذا، إلا كلمات الشيخ محمد حسين يعقوب التي أعقبت حديثه عن «غزوة الصناديق»؛ حيث قال: «الدين هايدخل في كل حاجة.. مش دي الديمقراطية بتاعتكم.. الشعب قال نعم للدين.. واللي يقول البلد ما نعرفش نعيش فيها بالطريقة دي.. انت حر.. ألف سلامة.. عندهم تأشيرات أميركا».

هناك تعليقان (2):

  1. تحليل رائع ومرعب اكد كثير من شكوكي

    ردحذف
  2. أذكر أن جلال أمين يشارك حضرتك في هذه الشكوك وقد عبر عن ذلك قبل الثورة بفترة ليست بالقصيرة خاصة فيما يتعلق بمدى نفوذ أميركا. لكن المشهد بات يتضمن حاليالاعبين آخرين وهو المجلس العسكري وربما أطراف أخرى لا يمكننا الجزم بشكل علاقتهم بمن يحكم مصر حاليا. أملي أن تتدخل عوامل أخرى تغير المشهد قبل الانتخابات.

    ردحذف

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...