هل ارتاح ضميرك بعد
أن رفعت شعار #إلا_رسول_الله وزينت به حساباتك على «السوشيال ميديا»؟، هل تظن أنك
أديت واجبك تجاه النبي عليه الصلاة والسلام؟، وهل هذا السلوك المكرر وقرارات أخرى تشبهه
(سلبية) كمقاطعة «المنتجات الفرنسية» مثل الجبن والسيارات ومستحضرات التجميل أو
حتى «القبلات الفرنسية» كما سخر أحدهم من «هوجة» مقاطعة كل ما هو فرنسي؟، هل بهذه
الأعمال تكون قد أخذت بثأر النبي، وأعدت إليه الاعتبار؟.
دعني أسالك صراحة، هل أسعدك
ذبح المدرس الفرنسي؟، هل احتفلت وتشفيت مع اقرانك وأهلك؟، هل مثل هذه التصرفات
(الإيجابية) العنيفة في رد الاعتبار تشعرك بعزة الإسلام، وبأننا لسنا أمة
مستضعفة، بل أقوياء بمثل هذا الشاب وأمثاله من المجاهدين في كل بقاع العالم؟.
دعني أسألك أيضاً،
هل تحريت القصة وقرأت تصريحات «ماكرون»؟، هل شاهدت الرسومات المسيئة التي
قيل أن المدرس الفرنسي المذبوح قد عرضها على تلاميذه، وبسببها
تم نحره بسكين لاجئ شيشاني لا يعرفه، ولم يتحرى الواقعة ولم يفهم صحيح إسلامه
ليعرف كم تعرض نبينا للإساءة وكيف كانت ردود أفعاله في كل مرة، وكيف تعامل مع
الأشخاص الذين أساءوا له؟.
فكر في إجابات هذه
الأسئلة وتدبرها، قبل أن تتحمس للدفاع عن النبي، وأنت أبعد ما يكون عن سنته
الشريفة، إن محمد بن عبد الله خاتم المرسلين وأشرف الخلق أجمعين، لا يحتاج لمن
يدفع عن سيرته هذه الترهات، ولكن يسعده حقاً أن نقتدي بخلقه العظيم.
لقد تصدر هاشتاج
#إلا_رسول_الله منصات التواصل الاجتماعي لأيام متصلة، تعبيراً عن حالة غضب محمومة
لدى قطاع كبير من العالم الإسلامي، لكن هل تدبر المتحمسين للهاشتاج وأمعنوا
التدقيق في جملته الناقصة، والتي بحسب خبير لغوي: «إلا رسول الله.. من حيث معناها
فيها إشكال، وهو أنه ذكر فيها المستثنى ولم يذكر المستثنى منه، وعلى أي تقدير
للمستثنى منه، يكون معنى العبارة غير مستقيم، لأن ظاهرها أننا نقبل أو نسكت عن
الإساءة إلى أي شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى باطل»، وهو ما
جعل بعض العلماء يفتون بأنها غير جائزة، لأننا لا نقبل ولا نسكت على الإساءة إلى
الله تعالى، ولا إلى القرآن، أو الإسلام، أو أحد من الأنبياء والمرسلين، أو
الأديان السماوية الأخرى، أو الملائكة، أو الصحابة رضي الله عنهم، أو أمهات
المؤمنين.
أما الخطأ الأكبر
الذي تورط فيه هذا الشعار (الهاشتاج)، فهو سقوطه في فح الاستغلال السياسي من قبل
دول وجماعات تتاجر بالدين الإسلامي، وهذه الجماعات وأفرعها وأفكارها وأفعالها هي
السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا، وبسبب تحركات
هذه الجماعات وبرامجها ومشروعها السياسي الذي أثمر العنف والتطرف الديني وصلنا إلى
مرحلة «الإرهاب» الذي يلصقه الغرب (بسوء نية) في الإسلام.
ثقيل على القلب أن
تتصاعد الحملة المسيئة لسيدنا ونبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، مع ذكرى مولده
المباركة، وتكون هديتنا له مزيد من التورط والتصعيد في
الاتجاه الخاطئ الذي نندفع وراءه جميعاً دون أدنى تعقل أو تفكير، كأنه أصبح
مستهدفاً تفريغ الأمة من طاقاتها وغضبها وعدم توظيف هذه المشاعر الجماعية في
الإطار الصحيح الذي يضمن عدم تكرار هذه الأفعال المسيئة للرسول والمهينة لأحبابه
وأتباعه من المسلمين.
أعلم وتعلمون،
تاريخ فرنسا منذ احتلال قوات نابليون مصر ودخول خيولهم الجامع الأزهر مطلع القرن
التاسع عشر الميلادي، وحتى تصريحات ماكرون المرتبكة قبل وبعد حادثة ذبح المدرس
الفرنسي (صمويل باتي) عن الإسلام وضده، لكن مقاطعة بضائعهم تؤذينا بقدر ما تؤذيهم،
أوافق عليها إذا تم دراسة تبعاتها الاقتصادية بعناية وأقرتها الأجهزة والهيئات
الاقتصادية المختصة وتصبح رد فعل جماعي قوي التأثير، وإن كنت أعتقد أنه بات علينا
التحرك بشكل دولي للوصول إلى حلول مستدامة
تضمن عدم تكرار مثل هذا العبث، وأرى أن التحرك القانوني هو السبيل إلى ذلك
سواء أمام القضاء الفرنسي أو من خلال المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وهذا التحرك
يستدعى تحركاً عربيا وإسلامياً لتشكيل قوة ضغط واعية على المجتمع الفرنسي، ربما
ننجح في أن نقتنص حقوقنا مثل اليهود الذين أقر لهم البرلمان الفرنسي نهاية العام
الماضي مشروع قانون يعتبر كراهية إسرائيل شكلا من أشكال معاداة السامية.
ويمثل قرار مجلس
حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتشكيل لجنة خبراء قانونية
دولية لرفع دعوى قضائية على «شارلي ايبدو»
لإساءتها لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، أفضل خطوة على الطريق القانوني الصحيح
في التعامل مع هذا الملف.