الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

هل أسعدك ذبح «المدرس الفرنسي»؟



هل ارتاح ضميرك بعد أن رفعت شعار #إلا_رسول_الله وزينت به حساباتك على «السوشيال ميديا»؟، هل تظن أنك أديت واجبك تجاه النبي عليه الصلاة والسلام؟، وهل هذا السلوك المكرر وقرارات أخرى تشبهه (سلبية) كمقاطعة «المنتجات الفرنسية» مثل الجبن والسيارات ومستحضرات التجميل أو حتى «القبلات الفرنسية» كما سخر أحدهم من «هوجة» مقاطعة كل ما هو فرنسي؟، هل بهذه الأعمال تكون قد أخذت بثأر النبي، وأعدت إليه الاعتبار؟.

دعني أسالك صراحة، هل أسعدك ذبح المدرس الفرنسي؟، هل احتفلت وتشفيت مع اقرانك وأهلك؟، هل مثل هذه التصرفات (الإيجابية) العنيفة في رد الاعتبار تشعرك بعزة الإسلام، وبأننا لسنا أمة مستضعفة،  بل أقوياء بمثل هذا الشاب وأمثاله من المجاهدين في كل بقاع العالم؟.

دعني أسألك أيضاً، هل  تحريت القصة وقرأت تصريحات «ماكرون»؟، هل شاهدت الرسومات المسيئة التي قيل أن المدرس الفرنسي المذبوح قد عرضها على تلاميذه، وبسببها تم نحره بسكين لاجئ شيشاني لا يعرفه، ولم يتحرى الواقعة ولم يفهم صحيح إسلامه ليعرف كم تعرض نبينا للإساءة وكيف كانت ردود أفعاله في كل مرة، وكيف تعامل مع الأشخاص الذين أساءوا له؟.

فكر في إجابات هذه الأسئلة وتدبرها، قبل أن تتحمس للدفاع عن النبي، وأنت أبعد ما يكون عن سنته الشريفة، إن محمد بن عبد الله خاتم المرسلين وأشرف الخلق أجمعين، لا يحتاج لمن يدفع عن سيرته هذه الترهات، ولكن يسعده حقاً أن نقتدي بخلقه العظيم.

لقد تصدر هاشتاج #إلا_رسول_الله منصات التواصل الاجتماعي لأيام متصلة، تعبيراً عن حالة غضب محمومة لدى قطاع كبير من العالم الإسلامي، لكن هل تدبر المتحمسين للهاشتاج وأمعنوا التدقيق في جملته الناقصة، والتي بحسب خبير لغوي: «إلا رسول الله.. من حيث معناها فيها إشكال، وهو أنه ذكر فيها المستثنى ولم يذكر المستثنى منه، وعلى أي تقدير للمستثنى منه، يكون معنى العبارة غير مستقيم، لأن ظاهرها أننا نقبل أو نسكت عن الإساءة إلى أي شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى باطل»، وهو ما جعل بعض العلماء يفتون بأنها غير جائزة، لأننا لا نقبل ولا نسكت على الإساءة إلى الله تعالى، ولا إلى القرآن، أو الإسلام، أو أحد من الأنبياء والمرسلين، أو الأديان السماوية الأخرى، أو الملائكة، أو الصحابة رضي الله عنهم، أو أمهات المؤمنين.

أما الخطأ الأكبر الذي تورط فيه هذا الشعار (الهاشتاج)، فهو سقوطه في فح الاستغلال السياسي من قبل دول وجماعات تتاجر بالدين الإسلامي، وهذه الجماعات وأفرعها وأفكارها وأفعالها هي السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا وأمريكا، وبسبب تحركات هذه الجماعات وبرامجها ومشروعها السياسي الذي أثمر العنف والتطرف الديني وصلنا إلى مرحلة «الإرهاب» الذي يلصقه الغرب (بسوء نية) في الإسلام.

ثقيل على القلب أن تتصاعد الحملة المسيئة لسيدنا ونبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام، مع ذكرى مولده المباركة، وتكون هديتنا له مزيد من التورط والتصعيد في الاتجاه الخاطئ الذي نندفع وراءه جميعاً دون أدنى تعقل أو تفكير، كأنه أصبح مستهدفاً تفريغ الأمة من طاقاتها وغضبها وعدم توظيف هذه المشاعر الجماعية في الإطار الصحيح الذي يضمن عدم تكرار هذه الأفعال المسيئة للرسول والمهينة لأحبابه وأتباعه من المسلمين.

أعلم وتعلمون، تاريخ فرنسا منذ احتلال قوات نابليون مصر ودخول خيولهم الجامع الأزهر مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وحتى تصريحات ماكرون المرتبكة قبل وبعد حادثة ذبح المدرس الفرنسي (صمويل باتي) عن الإسلام وضده، لكن مقاطعة بضائعهم تؤذينا بقدر ما تؤذيهم، أوافق عليها إذا تم دراسة تبعاتها الاقتصادية بعناية وأقرتها الأجهزة والهيئات الاقتصادية المختصة وتصبح رد فعل جماعي قوي التأثير، وإن كنت أعتقد أنه بات علينا التحرك بشكل دولي للوصول إلى حلول مستدامة  تضمن عدم تكرار مثل هذا العبث، وأرى أن التحرك القانوني هو السبيل إلى ذلك سواء أمام القضاء الفرنسي أو من خلال المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، وهذا التحرك يستدعى تحركاً عربيا وإسلامياً لتشكيل قوة ضغط واعية على المجتمع الفرنسي، ربما ننجح في أن نقتنص حقوقنا مثل اليهود الذين أقر لهم البرلمان الفرنسي نهاية العام الماضي مشروع قانون يعتبر كراهية إسرائيل شكلا من أشكال معاداة السامية.

ويمثل قرار مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بتشكيل لجنة خبراء قانونية دولية لرفع دعوى  قضائية على «شارلي ايبدو» لإساءتها لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، أفضل خطوة على الطريق القانوني الصحيح في التعامل مع هذا الملف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الاثنين، 5 أكتوبر 2020

خطر الصمت بين «السكاتة» و«اللهاية»


قادتني الصدفة إلى اكتشاف هذا الاختراع الذي أظن أنه مصري النشأة، رغم أن المنتج كالعادة «صنع في الصين»، وقد وجدته في أحد محلات اكسسوارات السيارات، حيث قدمه لي البائع بفخر قائلاً: «السكاتة دي هدية من المحل لحضرتك»، و«سكاتة» إنذار حزام الأمان (التي يتراوح سعرها بين 30 إلى 50 جنيهاً) هي عبارة عن قطعة معدنية تشبه الموجودة في طرف حزام الأمان، ويتم تركيبها في مكان غلق الحزام، مما يمنع انطلاق التنبيه الصوتي الذي يذكر بضرورة ارتداء حزام الأمان، وهو التنبيه الذي يستمر لبعض الوقت بشكل حاد، يجبر سائق السيارة (في أغلب الأحيان) على ارتداء الحزام، الذي يعد من أهم عناصر التأمين التي تقوم مصانع السيارات بتزويدها بها، ويلزمنا القانون باستخدامه لأهميته ودوره في حفظ الأرواح.

ويحذر الخبراء من خطورة استخدام هذه «السكاتة»، نظرا لارتباط عمل الوسائد الهوائية (التي تخرج أمام السائق لتحميه عند وقوع تصادم) بالالتزام بربط حزام الأمان، لهذا منعت مصانع السيارات الوسائد الهوائية من الانطلاق طالما أن قائد السيارة لا يرتدي حزام الأمان، وذلك لما وجدوه من ضرر كبير يتعرض له قائد السيارة عند ارتطامه بالوسادة الهوائية دون ارتدائه حزام الأمان.

ورغم ذلك تمثل «السكاتة» الحل السحري لبعض قائدي السيارات للتخلص من صداع هذا التنبيه (المزعج) داخل السيارة، فيلجئون إليها لإيقاف التنبيه دون أن يضطروا لارتداء الحزام، ولهذا حققت انتشاراً كبيراً في مصر وعدة دول عربية (على يد المصريين)، حيث أن «عدم ارتداء حزام الأمان» هو عادة مصرية خالصة، تأصلت مع دخول أول سيارة إلى مصر عام 1890 في عهد الخديوي توفيق ومستمرة حتى اليوم، وربما يتذكر مواليد القرن الماضي «قصة الحزام في التسعينات»، عندما تم استحداث مادة في قانون المرور تمنع سير المركبات دون أن يرتدي سائقيها حزام الأمان مع توقيع غرامة مالية فورية على السائق، وكانت مفاجأة أن نسبة كبيرة من السيارات في مصر (وقتها) تخلص سائقيها من أحزمتها بعد أن ترسخ في وجدانهم أنها قطعة زائدة لا حاجة لها، وتسبب هذا القانون في فتح باب لرواج تجارة الأحزمة، فأرتفع سعرها بشكل جنوني، مما أضطر فقراء السائقين لخداع عساكر المرور بوضع (شريطة سوداء) على أكتافهم.

وقد أخترع العالم السويدي نيلز ايفار بولين حزام الأمان الثلاثي النقاط عام 1958، والذي يستخدم حالياً في جميع أنواع السيارات، واختير اختراعه واحداً من أهم تسعة مخترعات في حياة البشرية في القرن العشرين، بعد أن أسهم في تقليل نسبة الإصابات والوفيات الناجمة من حوادث الطرق، والتي يروح ضحيتها سنويا أكثر من 1.35 مليون شخص، بينما يتراوح عدد المصابين سنويا من 20 مليون إلى 50 مليون مصاب، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، كما تلتهم تكاليف الحوادث ما يقرب من 3 % من إجمالي الإنتاج المحلى العالمي سنوياً (وهي أرقام تنافس ضحايا كورونا).

أما المخترع المجهول لـ «سكاتة حزام الأمان»، فيستحق أن يحصل اختراعه على لقب الأسوأ هذا العقد، وأظن أنه ألتقط فكرة اختراعه من «سكاتة» الأطفال أو «المصاصة المطاطية» التي تسمى «التيتينا» أو «اللهاية»، وهي حيلة تعرفها الأمهات جيداً، حيث تستخدم «اللهاية» بوضعها في أفواه الأطفال لوقف بكائهم وإلهائهم بعض الوقت عن طلب الطعام، فهي البديل الشكلي والفعلي لصدر الأم (الطبيعي) أو «الببرونة» التي تنقل الغذاء (الصناعي) للأطفال، وهي أيضاً رغم ميزتها الظاهرة، تشكل خطورة كبيرة على الأطفال، حيث تصيب أكثر من 70% من الأطفال بالنزلة المعوية، وآلام البطن، والانتفاخ، والقيء وتسوس الأسنان والتهاب الأذن الوسطى.

والخلاصة في مسألة «السكاتة» أو «اللهاية».. إن استخدام بدائل (لاهية) أو (خادعة) لإسكات صخب أي إزعاج (طبيعي أو صناعي).. خطر قد ينتج عنه كوارث.. أتفق على ذلك خبير السيارات مع طبيب الأطفال.. ولن يختلف معهم أي (أمين) أو (عاقل).


نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 30 سبتمبر 2020

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...