الأربعاء، 12 يونيو 2019

دراما «الاستروكس»



لا يحمل العنوان أي قدر من المبالغة، فما عرضته شاشات الفضائيات المصرية وقنوات التليفزيون الأرضية خلال الشهر الكريم (وهو إنتاج درامي يعاد عرضه طوال العام)، يمثل خطر على المجتمع المصري لا يقل عن خطورة «الاستروكس» أشرس أنواع المخدرات وأكثرها تدميرا.

وبين الدراما المصرية و«الاستروكس» أوجه شبه كثيرة ومساحات تلاقي تتزايد كل عام، فكلاهما يقوم بعملية تسطيح للعقل وتغيبه عن واقعه وقضاياه وتطلعاته.

وتحطم دراما «الاستروكس» القيم والاخلاقيات التي تربينا عليها وأعتقدنا لسنوات أنها «مثل عليا»، فتهدم العلاقات الاسرية وتروج للخطيئة والعنف وتشوه أي قدوة، وتسخر من التاريخ وتسفه كل قديم وأصيل.

المفارقة أن أكثر من عمل درامي يعرض هذا العام، يتعرض لمشكلة مخدر «الاستروكس»  بدعوى علاج المشكلة والتحذير من مخاطرها، لكنه يقدم (بغباء) شرح تفصيلي لكل شىء عن هذا المخدر، بداية من تصنيعه والمواد المستخدمة في ذلك وكيفية الحصول عليها، وحتى طرق تسويقه وبيعه، مقدما مبررات عاطفية ساذجة لتعاطيه أو التورط في الاتجار فيه، وكأننا أمام برنامج تعليمي وتثقيفي وترويجي يستهدف المزيد من الأعضاء لينضموا لنادي «الاستروكس».

ودراما هذا العام في معظمها تقدم نماذج مصرية مشوهة، تؤصل لأفكار هادمة، منها على سبيل المثال: أن الشر ينتصر والخير ضعيف مهزوم، وأن النجاح لا يتحقق بالجهد بل بالحظ أو الفلهوة أو الفساد. وإذا توقفنا أمام ما يسمى بـ «الدراما الكوميدية» سنجد كوارث بالجملة، فكلها أعمال تستحق أن يحاكم صناعها بتهمة إهدار المال، وتقديم محتوى يدمر المجتمع.

إن الدراما هي اكثر المحتويات الاعلامية تأثيرا على المشاهد بما تقدمه من قصص مثيرة تتسلل إلى عقله وتخترق وجدانه، والخطورة تحدث إذا كانت هذه الدراما فاسدة، يتحول المشاهد فورا إلى «متعاطي»ـ يغيب عن الوعي تدريجيا ويصبح مخدر درامياً، فيسهل تدجينه وغسل مخه.

إننا نخوض حرب شرسة مع قوى الشر في العالم، والدراما (والأداب والفنون) هي السلاح الرئيسي في هذه الحرب، نظرة على ما تقدمه منصات العرض التليفزيوني العالمية وفي مقدمتها (Netflix) التي استحوذت على اهتمام المشاهدين في العالم العربي مؤخراً، يجعلنا ندرك حجم الكارثة التي تنتظرنا في المستقبل، وتمنيت ومعي كثيرين أن تقدم شركتنا الوطنية المحتكرة لسوق الدراما إنتاجاً يفيد المجتمع ويخدمه وينميه، وقبل ذلك يحصنه من سحر الدراما الغربية وآثارها المرعبة.

في ديسمبر الماضي، نظمت كلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات، مؤتمرها العلمي الثالث تحت عنوان: «الدراما العربية وقضايا الهوية»، برئاسة الدكتور سامي الشريف عميد الكلية، وأنقل لكم أبرز ما جاء في توصيات المؤتمر ربما  تجد من يقرأها ويتدخل لإنقاذ صناعة حيوية تنهار اقتصاديا واخلاقيا:

1- التحرك الجاد من جانب المسئولين لإعادة وتفعيل دور الدولة في إصلاح أوضاع صناعة الدراما، وإيجاد مرجعية عليا لصناعة الدراما تتولى وضع السياسات الإنتاجية بجوانبها المختلفة الكمية والنوعية و الحرفية والرقابية والتوزيعية والبثية.

2- إذكاء روح العمل الجماعي في المجالات المختلفة لصناعة الدراما لمواجهة ظاهرتي الإحتكار الإنتاجي والبطولات الفردية، والتوجه نحو الإنتاج الجماعي والبطولات الجماعية.

3- بذل الجهود المكثفة لمواجهة سطوة الإعلان على الإعلام.

4- توجيه مزيدٍ من الاهتمام للإنتاج الدرامي الذي يرسخ قيم الإنتماء الوطني والمشاركة السياسية، و يدعم ملامح ومقومات الهوية الوطنية والقومية، ويحسن الصورة الذهنية عن مصر في محيطها العربي، ويسهم في مواجهة الآثار السلبية للغزو الثقافي والتطرف والعنف والتحيز والتمييز، وما تحمله الدراما الأجنبية المترجمة والمدبلجة من رسائل.

5- دعوة المؤسسات التربوية والإجتماعية للتواصل مع وسائل الإعلام وجهات الإنتاج لتبادل الرؤى بشأن تقييم الإنتاج الدرامي، وتفعيل دور الدراما في التنشئة الإجتماعية، والإرتقاء بالذوق العام وتحسين جودة الحياة.

6- مناشدة وسائل الإعلام وجهات الإنتاج الدرامي بضرورة المتابعة والاستفادة مما تنشره الصحافة الفنية وما تقدمه مواقع التواصل الإجتماعى من نقد وتقييم لما يُذاع من أعمالٍ درامية، وذلك لتحقيق المواءمة والتوافق مع متطلبات الجمهور، وما يقبله الذوق الاجتماعي العام.

هذا جهد بحثي ومناقشات علمية جرت ما بين متخصصين في الإعلام، وهناك عشرات مثيلة لها حبيسة الأدارج تتضمن خطط وروىء معتبرة للنهوض بالاعلام والدراما، تبحث عن أيادي تحررها من محبسها وعن عقول تستوعبها وتتفاعل معها وتنفذ بعض ما جاء فيها، لعلنا ننقذ المجتمع من هذا «الاستروكس» الدرامي.......... والإعلامي.

وكل عام وأنتم بخير.


 *نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 29 مايو2019




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...