الاثنين، 11 مايو 2015

كلنا مش ولاد نعيمة «ألمظية»..

تعليقي على فيلم «ابن الزبال»


لا أخفيكم سرا أني متعاطف مع وزير العدل المصري المستقيل بسبب «زلة لسانه» التي قضى المصريون يومهم يلوكونها ويلوكون سيرته وقضية الطبقية ورفض العنصرية، وما إلى ذلك من شعارات براقة لا يعي ولا يفهم مُطلِقوها أدنى حد عن معناها.
ولو أمعن الثائرون النظر قليلاً لاكتشفوا «مسخرة» الموقف، لقد رحل وزير لأنه قال الحقيقة عارية أمام الشعب، خرج «مُقالاً» تحت ستار «الاستقالة» لأنه واجه المجتمع بحقيقة تحدث أمامه بشكل يومي دون أن يثور أو حتى يرفض أو يستفزه الأمر كي يفكر ويبحث في سبب حدوثها. الحقيقة يا سادة هي أن «ابن الزبال» لن يدخل الجيش أو الشرطة أو القضاء أو الخارجية أو أي جهة سيادية، ليس فقط لأنه موصوم بمهنة أبيه، ولكن لأنه ومثله كل فقراء هذا الوطن سقطوا من حسابات الدولة والمجتمع، فتحولوا عبر سنوات العهد البائد (نهايات عصر السادات ومعظم عهد مبارك) إلى عشوائيين تعليما وخلقا وقدراتٍ، إلا قلائل شذّوا وانحرفوا عن هذا المسار العشوائي واجتهدوا وتمردوا على مصيرهم وتعلموا وتثقفوا وتخلصوا من عشوائيتهم، وحاول بعضهم النفاذ من ثقب إبرة إلى مجتمع الصفوة المهنية، لكن صدمه الرفض المجتمعي الصارم، ولعل قصة انتحار الشاب خريج السياسة والاقتصاد بعد رفض طلبه الالتحاق بالعمل في السلك الدبلوماسي قبل سنوات لا تزال ماثلة أمامنا وشاهدة على تعامل المجتمع مع أولاد الفقراء.
المشكلة أن بعضنا لا تزال تطارده الصورة الرومانسية التي رسمها أديبنا الكبير توفيق الحكيم في مسرحيته الرائعة «الأيدي الناعمة»، التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير قام ببطولته فارسا السينما أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، وكتب له السيناريو والحوار يوسف جوهر وأخرجه محمود ذو الفقار سنة 1963، والمشهد الشهير لبائع «البسبوسة» وابنه الذي التحق بالعمل في الخارجية وجاء ليأخذ منه مصروفه، بينما البرنس والدكتور يتسوّلان قطعتَي بسبوسة من أبيه في مقابل نياشين مَلَكية حصل عليها البرنس في عهد المَلَكية.
هذه الصورة التي تطورت وتجرأت أكثر بعد عشر سنوات وتحديدا سنة 1972، على يد عمّنا صلاح جاهين في رائعته «خلّي بالك من زوزو»، التي جسدت بطولتها السندريلا سعاد حسني وأخرجها للسينما حسن الإمام، وتحكي قصة طالبة جامعية تحاول التمرد على تاريخ أسرتها وتحديدا أمها «نعيمة» أشهر راقصات شارع محمد علي، بينما المجتمع يطاردها بهذا التاريخ وبعار أمها، حتى تنجح في نهاية الفيلم في أن تفرض على المجتمع وجودها وتواجه حبيبها المخرج المسرحي في مدرّج جامعي بجملتها الشهيرة «كلنا ولاد نعيمة ألمظية»، بما تحمله الجملة من رمزية وإسقاط معنى «ألمظية» على مصر.
وابن بائع «البسبوسة» وبنت نعيمة «ألمظية» نماذج خيالية اندثرت مع طوفان المادة وأخلاقيات السوق وصرعات الانفتاح الاقتصادي، التي قوّضت الأخلاق والمبادئ والقيم، وفرضت شروط السوق ومبادئه فأصبح كل شيء قابلا للبيع، ما دام يوجد من يريد الشراء ويملك الثمن.

جهل الحكام وضحالة فكرهم وثقافتهم، دفعهم إلى التطوير والتغيير دون تحصين المجتمع وحماية طبقاته من الانهيار، ولم يكتفوا بذلك، بل إنهم منحوا قراصنة الدين الفرصة كاملة ليختطفوا الفقراء إلى عوالمهم، وهو ما أوصلنا إلى «داعش» وأخواتها، «طاعون» هذا الزمان، ليكون ذلك هو النتيجة الحتمية لمقولة وزير العدل المصري، التي هي صادقة وحقيقية للأسف، وهي أنه ليس من حق الفقير أن يحلم، فابن الزبال «اللي بيشيل زبالتنا»، مش من حقه يكون «بيه».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...