الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

الشعب المصري هو القائد والمعلم!!!

نظرة عابرة على الجزء الأول

من "فيلم" انتخابات (مصر/ 2015)




أتوقع أن يستفز العنوان بعض كارهي صاحب العبارة وقائلها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي خطها كمنهج وإستراتيجية حكم. لا أنكر عليهم رفضهم للرجل ولن أجادلهم في سقطات شابت سنوات حكمه (1954-1970)، لكننا تعلمنا من سنوات قريبة وبعيدة، ألا نشوه كل الماضي حتى لا نخسر الباقي من الحاضر وكل المستقبل، تعلمنا أيضا ألا نهدم كل تاريخنا، بحجة أن جزء منه لا يروق لنا، فنحن شعب صنع حضارة متكاملة عبر كل تاريخه  فلا يمكن تجزئتها أو تقسيمها، لأن رحلة العطاء متصلة منذ فجر الضمير الإنساني حيث شارك المصريين في صناعة الحياة بجهد لا يمحى ولا ينسى، ومن حقنا كمصريين أن نظل نفخر بذلك، وأن نستمر في البناء لا في الهدم، كي نستكمل مسيرتنا.
أقول هذا تعليقا على ما أثير من لغط أثناء وبعد المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب المصري (أكتوبر 2015)، مخلفة ورائها جدلا مشتعلا وصخبا سياسيا لا يحتمل، تصاعد حتى وصل إلى حد قذف الشعب المصري بالسلبية، وبأنه لا يستحق نعمة الديمقراطية، وبالغ بعض الإعلاميين في التشويه بسذاجة تعكس حجم الغباء الذي أنعم الله به عليهم.
ونعود إلى عبارة عبد الناصر التى ترد على هذا الغباء وتزيل هذا الالتباس، تتبعوا معي سنواتنا الخمسة الماضية، واستوعبوا عبقرية المصريين، هذا الشعب العظيم الذي وثق لسنوات طويلة في حسني مبارك، وبالغ في ثقته ليس حبا في شخصه بل لإدراكه الكامل أن كل البدائل ستصل إلى نفس الطريق، فمنحه الشعب الفرصة تلو الأخرى ليحقق أحلامهم البسيطة حتى دفعهم إلى حائط اليأس، أصابت آذنيه الشيخوخة مثل كل نظامه فلم يسمع عن أنين المصريين وصراخهم، وهم يرجونه العيش والحرية والعدالة والكرامة، لم يستوعب رفضهم للوجود غير الشرعي لنجله وشلته على رأس السلطة وفي كل مفاصلها، فخرجوا في ثورتهم الأولى في يناير 2011، ودافعوا عنها في كل الاستحقاقات التالية يحركهم دافع رئيسي ومصيري، هو ألا تنهار أركان دولتهم.
لقد "صوت" المصريين" دائما لاختيار الاستقرار (خيار الأمان ولقمة العيش والبعد عن الفوضى والدماء والدمار)، خيارهم الدائم منذ فجر التاريخ وحتى نهايته، فهم من قالوا نعم في مارس 2011 في استفتاء الدستور المعدل، وهم من اختاروا الإخوان في البرلمان لأنهم كانوا الأكثر جاهزية للحكم من كل التيارات السياسية المتواجدة، وهم من فضلوا مرسي حتى لا تعود دولة مبارك متمثلة في شخص الفريق أحمد شفيق، وهم أيضا من أزاحوا الإخوان وثاروا عليهم، بعد عام واحد فقط أدركوا فيه خيبة الجماعة وممثلها في الاتحادية وعدم استطاعتهم الحفاظ على الدولة، وثاروا للمرة الثانية في يونيو 2013 بعد أن رفض الرئيس الإخواني الدعوة لإنتخابات رئاسية مبكرة، وفوضوا جيشهم وقائده في يوليو من نفس العام، لمحاربة إرهاب تجار الدين بكل أصنافه وأشكاله وتياراته، وهم من وافقوا على كل دستور طرح عليهم لاستفتاء عام بما في ذلك دستور مرسي، ليس عن سذاجة أو جهل، ولكن عن عبقرية وقناعة بأن دستورهم الحقيقي قابع في قلوبهم، ومحفور على جدران حضارتهم، مخلوط بتراب هذا الوطن الذي عشقوه، دستورهم هو الحضن الجامع لدولتهم الحارس لتاريخهم والباني لمستقبلهم. فقال المصريين (نعم) في ثلاثة استفتاءات متتالية على نصوص دستورية، اختلفت نصوصها وتباينت صياغتها وتناقض صناعها، لكن المصري لا يصوت على نص دستوري، بل يمنح وجوده لمن يمنحه الوجود ويجود بنفسه ليحفظ دولته داخل حدود.


وعندما وصلنا إلى محطتنا الأخيرة في خارطة "السيسي"، تفجرت أيضا عبقرية هذا الشعب، وقال كلمته، وبدلا من محاولة فهم رسالة المصريين في عزوفهم عن المشاركة، أهال التراب على الشعب من سلطهم الله علينا من أرباب الإعلام الفاسد، وهددوا وتوعدوا وحاولوا ترغيب المصريين على المشاركة بكل الطرق والوسائل، لكنهم لم يفلحوا ووقعوا هم في الحفرة التي حفروها لشعبهم، ودخلوا متاهة لن يكون أولها سقوط صاحبة الصبايا في وحل الخطيئة المهنية، كما لن يكون أخرها نفاذ صبر الرئيس المصري مما وصفه بالفوضى الاعلامية.
ونعود لمجلس النواب الذي أقتربت نصف مقاعده من الإكتمال بعد إنتهاء المرحلة الأولى وإعلان نتائجها بنسبة مشاركة تخطت حاجز 25% بصعوبة بالغة، ووهي نسبة إقبال ضعيفة.
وفي كل الأحوال قالت مصر كلمتها وعبر الشعب عن رأيه، وعلينا أن نجتهد في فهم هذا الرأي وتفسيره، من منطلق أن المصريين خياراتهم متصلة، ومسيرتهم منذ سبعة ألاف عام لا تتوقف، وعبقرية شخصيتهم حقيقة لا خيال، وواقع ملموس يشهد عليه العالم. لهذا أتمنى قبل أن تحللوا أو تفسروا أن تحسنوا الظن بوطنكم وشعبه، وأوصولوا أسباب كل اختياراته الصادقة والمتصلة، لا تسقطوا مراحل أو أحداث أو تشوهوا إنجاز أو إنحياز في أي من محطات مصر عبر تاريخها، ولا تستبعدوا حقبة أو مرحلة لتعارضها مع وجهة خاصة.
من أراد أن يكون مصريا، عليه أن يتقبل كل اختيارات المصريين، ويتعلم منها، ولا يوجد فئة ضالة وأخرى صالحة، ولا يمتلك أي منا الحقيقة الكاملة، فكلنا نجتهد في إطار وحيد يحكمنا هو الإيمان بالله والوطن، لا صراع بينهما ولا خلاف عليهما.
وقد سعدت بحديث الرئيس المصري ورضاه عما فعله المصريين في هذه الانتخابات ونجاحها على مستوى التنظيم والشفافية، وبعد شكره الشرطة والجيش على التنظيم، قال: "أنا طالبت من الشعب المصري أن ينزل إلى الانتخابات غير عابئ بالكلام فليس هناك مقام عال في مصر فالمقام العالي للشعب، ومن نزل للمشاركة أقول له شكرا، ومن لم ينزل أقول له عليك بالنزول".
ولكني أنزعجت من التعجل في الحكم على سبب "عزوف المشاركة" وإرجاع الرئيس ذلك إلى "زهق" الشعب من كثرة مشاركته في الانتخابات، والتي قدرها السيسي بـ 8 أو 9 انتخابات خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهذا لا يرجع لمعرفتي بسبب العزوف، أو نيتي في التطوع بتحليله أو تفسيره مثلما خرج علينا بعضهم ليفعل ذلك دون حتى أن ينتظر اكتمال الانتخابات بمرحلتها الثانية، لكن الانزعاج مرجعه أنني كنت أتمنى أن تجتهد الدولة بمؤسساتها البحثية وأجهزتها المعلوماتية، لتعرف أسباب هذا العزوف بشكل علمي وتحلله وتطرحه للمناقشة المجتمعية الناضجة، ولا تكتفي بحديث انطباعي يكمله كلام مكرر عن نسب المشاركة الضعيفة في انتخابات تجري بدول آخرى، لأن هذا لا يليق بدولة تسعى لبناء مستقبلها بصورة صحيحة في إطار ديمقراطي محترم يليق بها وبتاريخها العريق، فقد أحرجتنا تركيا في نفس اليوم وتخطت نسبة المشاركة الشعبية في الإنتخابات الـ 90%، رغم أنه لم يمض سوى 5 أشهر على أخر إنتخابات جرت في بلدهم.
وأخيرا كي لا تتوه الحقيقة بيننا كعادتنا هذه الأيام، علينا أن نتمسك بثوابتنا وننطلق منها، الشعب صاحب المقام الأعلى (كما قال السيسي) وهو المعلم والقائد (كما سبقه عبد الناصر)، وعلينا أن نقدر ونحترم مسيرته عبر العصور والأزمنة والسنوات، وندافع عن اختياراته الجمعية وخاصة التي يسجلها الصندوق الانتخابي، ولا نجبره أو نضطره للنزول إلى الشارع حال عدم فهم رسائله ومطالبه لأن كلفة الثورات لن تتحملها ميزانية المصريين مرة ثالثة. وعلى الرئيس والدولة تفعيل أجهزة الاستشعار المجتمعي المتمثلة في مراكز الأبحاث الإستراتيجية وبحوث الرأي العام وأجهزة الأمن القومي وقبلهما الإعلام القوي الحر والمحترم لإستيعاب وفهم رسالة ما حدث في الإنتخابات، والإجابة على السؤال الأهم، ماذا يريد المصريين؟.
وعلينا جميعا أن ندرك أن الشعب المصري أجيال تتوالى وتتواصل، وأن هناك أجيال شابة لا تقبل الصورة التقليدية للسلطة ولا النمط القائم للحكم، وهذه الأجيال تقترب من أن تكون هي الكتلة الرئيسية والوحيدة لهذا الشعب، ولن تسمح لأحد أن يسلبها حريتها أو أن يكون وصي على اختياراتها، هذا الأجيال تحتاج إلى فهم حقيقي لأنها ستحمل لافتة كبيرة مكتوب عليها "شعب مصر".




الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

قصة هو وهي .. الأصلية

في يوليو من عام 1998، كتبت حوارا دراميا بعنوان "هو وهي" في 6 صفحات من قطع الـ A4، تدور فكرته حول حبيبين فرقتهما الحياة سنوات ثم جمعهما الحب من جديد، في لقاء استثنائي، والحوار يسجل تفاصيل هذا اللقاء في بيت الحبيب (هو)، ويحاول أن يحكي مشاعرهما في هذه اللحظة المرتبكة.
كنت وقتها مولعا بفن المسرح.. شاردا في كواليسه.. وأتذكر أني خططت في هذه الفترة لأكثر من مشروع مسرحي، وشاء القدر أن يكتمل أهمها وأقربها إلي قلبي في نفس العام وهو مسرحية (مصر.. ليل/خارجي) التي حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان الجامعة للمسرح بعد أن أخرجها لفريق مسرح كلية الإعلام بجامعة القاهرة المخرج الفنان والصديق العزيز عمر الشيخ، في لقاءنا المسرحي الثاني، فقد وسبق وشاركت معه ممثلا في أول تجاربه المسرحية (أنا والكلاب والحرية) لنفس الفريق المسرحي.
وقبل أيام، وفي رحلة بحث شاقة عن بعض أوراقي القديمة، وجدت الأوراق الست (حوار هو وهي)، والتي حملت لي ذكرى جميلة ونصا مثيرا قرأته مرة ومرات، وكأني أعيد اكتشاف ذاتي من خلاله، كيف كنت أفكر؟، وكيف كانت مشاعري قبل أكثر من 17 عام؟
فكرت أن أعيد نشر النص الأصلي ربما يشاركني بعض رفقاء جيلي، وأصدقائي، وقرائي، متعة الإبحار في الماضي، وقبل أن أصل إلى قرار، قفزت في رأسي الفكرة، ماذا لو فكرت أن اكرر نفس التجربة في أكتوبر 2015؟، كيف سيكون اللقاء، وماذا سيدور في الحوار.
وتحولت الفكرة المجنونة إلى نص جديد كتبته ونشرته على 5 أجزاء بعنوان (هو وهي) عبر حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثارت تساؤل وفضول بعض المتابعين، ولأنه كان محوكما بمحاكاة النص الأصلي في إطار المنافسة، حاولت أن يكون بسيطا وعفويا وصادقا.
كنت أتمنى أن أمتلك جرأة نشر النص القديم، لكي أترك الحكم لكم، لكن ولأسباب رقابية، لن استطيع نشره كاملا، لكن هناك بعض العبارات (المقتطعة) من النص القديم تصلح أن أشارككم فيها، لعل الإحساس القديم يكون حاضرا عند المقارنة.

- كنت مبهور بكل تفصيلة في جسمك
- كانت أنوثتي بتترجى شفايفك
- قلبي من بعدك.. كنت شايله هناك في قفص العصافير.. حابسه
- تفتكر لما نعيش نفس التفاصيل.. نقدر نرجع نفس المشاعر
- عرفت كام واحدة بعد ما سبنا بعض؟
-  كان أسعد شيء في القصيدة.. أنك تسمعيها
- هو مفيش سبب ممكن يخلي واحدة تسيب اللي بتحبه.. إلا إذا كان فيه واحد تاني
- طول الوقت مش فاهماني
- كنت حاسة أن جواك جزء مشوه عن المرأة
- هو مين فينا اللي رفض التاني؟
- أنت ليه ما حاولتش.. كنت دايما بترجع تصالحني
- المرأة بتنسى .. أسرع


وما بين الحوارين ومنافستي لنفسي وأمسي، حاولت أن أجيب عن أسئلة كثيرة، أراها في قلوب كل العاشقين من حولي، ونشعر جميعا بأن الإجابات عنها لازالت تبحث عن حب. 

الاثنين، 28 سبتمبر 2015

هل أصبح مقدساً أن تبوح بما في عقلك ؟



كيف نحيا وسط دوامات الكذب؟
كيف ندرك الحقيقة ونكمل الطريق؟
- - - - - - - - - - - - - - -
بلغ الشك مداه، في كل أمر يحاول أن يتخذ فيه قرارا، طاردته "فوبيا" الكذب، البائع يكذب ليبيع بضاعته الفاسدة، والموظف يزور كي يمنحه شهادة كاذبة، والزوجة تجمل كي تستمر الحياة، والأبناء يخادعونه كي ينفذوا خططهم، والعالم من حوله محاط بفضاء محكم من الأكاذيب من السياسة إلى الصحة ومن الرياضة إلى "البزنس"، فضاء إعلامي خبره وعرفه بحكم المهنة وأصبح يدرك أن الجميع يعمل وفق أجندة معدة مسبقا، ومن كثرة الأجندات" أصبح -هو نفسه- لا يعرف لأي "أجندة" ينتمي، فهو أيضا يمارس الكذب المنتظم كي يعيش ويكمل طريقه، حتى شعر بان الطريق قد تعب منه، وقرر أن ينقطع فجأة.
قبل أن يكتب فكر .. هل ينشر؟
وقبل أن يقرر .. تذكر أنه لا أحد يقرأ إلا وفق أجندته، هذا لو قرأ ولم يكتف بعنوان أو كلمة يأخذ منها انطباعا -في الغالب مغلوط- ثم يكمل منها رحلته الشخصية مع الكذب ويحلل كلامك بما يهواه، ويفند قصتك كما يريد أن يسمعها، ليرسم عنك صورة حقيرة، يتحول بعدها ما كتبته إلى دليل إدانة على جريمة لم تشاهدها، وربما لم تحدث أصلا.
وقبل أن يبدأ .. قرر ألا يكمل.. قرر أن ألا يكتب شيء.. ويكتفي بالصمت.
قرر ألا يتورط في كذبة جديدة يصنعها هو أو تصنع من خلاله..
قرر أن يصمت إلى حين..
لا يكتب..
لا يتكلم..
لا يغني..
لا يرقص..
لا يصلي..
لا يتذكر..
لا ينسى..
لا يحب..
لا يكره..
لا يخرج..
لا يدخل..
وجلس وحيدا في الصحراء..
وتمضي الأيام..
بطيئة..
ثقيلة..
مملة..
وهو مكانه.. على ثباته.. ومبدأه..
لا يتراجع.. ولا يستسلم..
حتى فاجأته ذات صباح.. قبلة من حسناء أوربية.. قطعت الآف الأميال لتراه.
شعر بأن هذه الـ"بوسة" الخيالية.. هي جائزته الخاصة التي حصل عليها لرفضه أن يتورط في هذا العالم، ويصبح جزء من كذبته الكبيرة.

الاثنين، 11 مايو 2015

كلنا مش ولاد نعيمة «ألمظية»..

تعليقي على فيلم «ابن الزبال»


لا أخفيكم سرا أني متعاطف مع وزير العدل المصري المستقيل بسبب «زلة لسانه» التي قضى المصريون يومهم يلوكونها ويلوكون سيرته وقضية الطبقية ورفض العنصرية، وما إلى ذلك من شعارات براقة لا يعي ولا يفهم مُطلِقوها أدنى حد عن معناها.
ولو أمعن الثائرون النظر قليلاً لاكتشفوا «مسخرة» الموقف، لقد رحل وزير لأنه قال الحقيقة عارية أمام الشعب، خرج «مُقالاً» تحت ستار «الاستقالة» لأنه واجه المجتمع بحقيقة تحدث أمامه بشكل يومي دون أن يثور أو حتى يرفض أو يستفزه الأمر كي يفكر ويبحث في سبب حدوثها. الحقيقة يا سادة هي أن «ابن الزبال» لن يدخل الجيش أو الشرطة أو القضاء أو الخارجية أو أي جهة سيادية، ليس فقط لأنه موصوم بمهنة أبيه، ولكن لأنه ومثله كل فقراء هذا الوطن سقطوا من حسابات الدولة والمجتمع، فتحولوا عبر سنوات العهد البائد (نهايات عصر السادات ومعظم عهد مبارك) إلى عشوائيين تعليما وخلقا وقدراتٍ، إلا قلائل شذّوا وانحرفوا عن هذا المسار العشوائي واجتهدوا وتمردوا على مصيرهم وتعلموا وتثقفوا وتخلصوا من عشوائيتهم، وحاول بعضهم النفاذ من ثقب إبرة إلى مجتمع الصفوة المهنية، لكن صدمه الرفض المجتمعي الصارم، ولعل قصة انتحار الشاب خريج السياسة والاقتصاد بعد رفض طلبه الالتحاق بالعمل في السلك الدبلوماسي قبل سنوات لا تزال ماثلة أمامنا وشاهدة على تعامل المجتمع مع أولاد الفقراء.
المشكلة أن بعضنا لا تزال تطارده الصورة الرومانسية التي رسمها أديبنا الكبير توفيق الحكيم في مسرحيته الرائعة «الأيدي الناعمة»، التي تحولت إلى فيلم سينمائي شهير قام ببطولته فارسا السينما أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، وكتب له السيناريو والحوار يوسف جوهر وأخرجه محمود ذو الفقار سنة 1963، والمشهد الشهير لبائع «البسبوسة» وابنه الذي التحق بالعمل في الخارجية وجاء ليأخذ منه مصروفه، بينما البرنس والدكتور يتسوّلان قطعتَي بسبوسة من أبيه في مقابل نياشين مَلَكية حصل عليها البرنس في عهد المَلَكية.
هذه الصورة التي تطورت وتجرأت أكثر بعد عشر سنوات وتحديدا سنة 1972، على يد عمّنا صلاح جاهين في رائعته «خلّي بالك من زوزو»، التي جسدت بطولتها السندريلا سعاد حسني وأخرجها للسينما حسن الإمام، وتحكي قصة طالبة جامعية تحاول التمرد على تاريخ أسرتها وتحديدا أمها «نعيمة» أشهر راقصات شارع محمد علي، بينما المجتمع يطاردها بهذا التاريخ وبعار أمها، حتى تنجح في نهاية الفيلم في أن تفرض على المجتمع وجودها وتواجه حبيبها المخرج المسرحي في مدرّج جامعي بجملتها الشهيرة «كلنا ولاد نعيمة ألمظية»، بما تحمله الجملة من رمزية وإسقاط معنى «ألمظية» على مصر.
وابن بائع «البسبوسة» وبنت نعيمة «ألمظية» نماذج خيالية اندثرت مع طوفان المادة وأخلاقيات السوق وصرعات الانفتاح الاقتصادي، التي قوّضت الأخلاق والمبادئ والقيم، وفرضت شروط السوق ومبادئه فأصبح كل شيء قابلا للبيع، ما دام يوجد من يريد الشراء ويملك الثمن.

جهل الحكام وضحالة فكرهم وثقافتهم، دفعهم إلى التطوير والتغيير دون تحصين المجتمع وحماية طبقاته من الانهيار، ولم يكتفوا بذلك، بل إنهم منحوا قراصنة الدين الفرصة كاملة ليختطفوا الفقراء إلى عوالمهم، وهو ما أوصلنا إلى «داعش» وأخواتها، «طاعون» هذا الزمان، ليكون ذلك هو النتيجة الحتمية لمقولة وزير العدل المصري، التي هي صادقة وحقيقية للأسف، وهي أنه ليس من حق الفقير أن يحلم، فابن الزبال «اللي بيشيل زبالتنا»، مش من حقه يكون «بيه».


الجمعة، 2 يناير 2015

«بابا نويل» يرقص «المولوية»

في «كريسماس» صوفي


أسعدني لقاء «بابا نويل» مع شمس التبريزي ليستقبلا معا العام الجديد ويتراقصا على أشعار مولانا جلال الدين الرومي في ساحة المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، وسط العاصمة القاهرة، التي تألقت واستعدت على طريقتها لاستقبال 2015 بمشاعرها الخاصة وملامحها المتناقضة، حيث تباينت «سهرة الكريسماس» من فنادق مطلة على النيل يحييها ألمع النجوم العرب، مع حفلات أخرى تليفزيونية يقضيها البسطاء والفقراء و«البردانين» في «جزيرة القطن»؛ المصطلح الأكثر استخداما في مصر لوصف «فراش النوم» أو «السرير»، في كلمة تجمع بين الحلم والسخرية المرّة.
قررت سيدة الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم، عازفة الفلوت الشهيرة، أن تسعد قلوب «العاشقين» في ليلة رأس السنة بحفل لفرقة المولوية المصرية، التي يتقدمها المنشد المعروف عامر التوني، ومن حوله راقصو المولوية، في مشهد بديع وفريد مع تساقط «خجول» لأمطار شتوية مفاجئة، لم تعكر مزاج المستمتعين من جمهور امتلأت به ساحة المسرح والمدرجات المحيطة به.. وردد الحضور مع المنشد المتألق قصائد المديح الشهيرة.. «زدني بفرط الحب» من أشعار ابن الفارض، و«ويا مليحا قد تجلى» للسهروردي، واختتم برائعة الحلاج «والله ما طلعت شمس ولا غربت» التي يقول بعض أبياتها:
والله ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَربَتْ..إلا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم..إِلا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزونا وَلا فَرِحًا.. إِلا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ..إِلا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ
إن أهم ما يلاحظ في حفلات «المولوية المصرية» الموسيقية التي ازداد الإقبال عليها بشكل كبير في العامين الأخيرين، هو الفارق الذي صنعه مؤسسها عامر التوني، بأن جعلها حالة بعيدة عن الدروشة الدينية، وحلق بها في سماء الفن والإبداع فقط.. اختياراته الغنائية من تراث الصوفية أعاد توزيعها بروح مصرية شرقية. أما على مستوى الشكل - الرقص - فهو يخلط بين الشكل التقليدي لـ«رقصة المولوية» التي صممها جلال الدين الرومي، و«رقصة التنّورة» الشعبية المصرية التي تنتمي لذات الجذور الصوفية، وينقلك الراقصون إلى حالات مختلفة من الرقص الدائري الهادئ والمتصل، منتقلين من الحزن في بادئ عرضهم، إلى الفرح والبهجة في الختام، وهو ما يتناسب بالفعل مع مشاعر الحضور المودعة لعام ثقيل بكل أحداثه والمتلهفة بفرحة إلى عام جديد، تبتهل إلى الله أن يكون سعيداً، فكانت حقا ليلة «كريسماس صوفي».
وقد تمددت «المولوية المصرية» لتقدم عروضها الأخيرة داخل وخارج مصر، ويجتهد مؤسسها التوني في طرح تزاوج فكري بين التراث المصري والعالمي لفنون الإنشاد الصوفية، وخلق حالة بصرية مبهجة تتواكب مع الإنشاد الجميل، ليتحول ما يقدمه إلى حالة تقترب من الـ«مسرحة» الكاملة. ومن المثير للإعجاب أن بعض عروض «المولوية المصرية» قدمت في أديرة قبطية، وفي صروح ثقافية مهمة؛ مثل مكتبة الإسكندرية ودار الأوبرا المصرية، وأتوقع لهذه الفرقة أن يتنامى جمهورها مستقبلا بشكل كبير إذا نجح منشدها في تطوير أدوات عرضه والتجديد في برنامج حفله الذي يغلب عليه الثبات.


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...