قابلته صدفة وأنا في طريق العودة إلى منزلي ذات مساء، كان يجمع ما تبقى من خضروات على عربته الخشبية التي تعتبر محل عمله ومصدره رزقه، بادرته بالتحية .. فلم يرد !! أوقفت سيارتي ونزلت أعاتبه.. فما بيننا من عشرة طيبة أيام المدرسة الثانوية يجعل العتاب مسموحاً برغم ما فعلته به الأيام وأوصلته لأن يكون بائعاً متجولاً للخضروات.
"يا حسن .. مساء الفل " .. نظر إلى في صمت عجيب .. "مالك يا أبني .. ما بتردش السلام ليه ؟" .. فنظر إلى نظرة مشحونة بغضب السنوات "مش طالبة معايا أرد السلام ولا أتكلم مع حد" .. شعرت بحرج بالغ ولكني أصبحت مدفوعاً لأعرف أزمته.
تمالكت نفسي، وأخرجت علبة سجائري، وعزمت عليه بواحدة فتناولها في صمت، وقطع طرف الفلتر كعادته عندما يأخذ مني سجائر، وأشعلها بمشط كبريته المهترئ .. ورمقني بنظرة ليـتأكد أني أشعلت سيجارتي.
وبفضل سحر النيكوتين أنفكت عقدة لسانه وبدأ يحكي لي عن اشتعال أسعار الخضروات وأثره السلبي على حركة تجارته والخسائر المتلاحقة التي أصابته خلال الشهور الأخيرة، وأنه أوشك على الإفلاس وأن الديون أثقلت كاهله، ولا يدري كيف يحل الأمر، عرضت عليه المساعدة المالية فرفض بكبرياء ولعن اليوم الذي جعله يحتاج إلى وإلى أمثالي.
في صباح اليوم التالي، أوقعني حظي العثر في حضور إحدى اللقاءات الفكرية التي تناقش ما يحدث في مصر على الصعيد السياسي، وخاصة ما يتعلق بالحكم ومستقبله والانتخابات التشريعية والرئاسية، ودار الكلام الغليظ والنقاش الفلسفي عن الرئيس ونجله والبرادعي ورفاقه، وعن مجمعات الحزب الحاكم لاختيار المرشحين في انتخابات مجلس الشعب التي تجري نهاية الشهر القادم، حديث لا ينتهي وحوارات لا تنقطع ولا أحد يملك حلاً محدداً وواضحاً، أخرجني من شرودي همس دار خلفي بين أثنين من ضيوف اللقاء عن أجور الفنانين في مسلسلات رمضان القادم 2011 وخاصة أجر المطرب الشاب الذي طلب 80 مليون جنيه مقابل بطولة أول عمل تليفزيوني، وأضاف المتحدث "ليها حق الطماطم تتجنن وتبقى أغلى من التفاح".
وفي لقاء تالي، أكثر تعاسة من سابقه، كنت مدعواً في أحد أمسيات الكبار، ودخلت طرفاً في نقاش حاد مع واحد من العالمين ببواطن الأمور عن أزمة "الطماطم" في مصر وأزعجني رده عن افتعال الأزمة بفعل بعض التجار المسيطرين على "بزنس الخضار"، وأنهم جنوا أرباحاً فلكية من وراءها، واستغلوا في ذلك انشغال الحكومة بالسياسة.
وعلى ذكر انشغال الحكومة، كان صدى قراراتها الأخيرة والمتعلقة بالشأن الإعلامي مثار جدل كبير حول خطأ التوقيت، وسخر الكثيرين من تركها "الحبل" في كل أمورها، واستيقاظها المفاجئ وتذكرها للقانون وبانفعال المتيقظ المفزوع تبدأ في تطبيقه، وهو ما حدث مع الفضائيات وفي أزمة أراضي الدولة على سبيل المثال لا الحصر.
أخيراً، عدت لمنزلي مبكرا على غير العادة، وسعدت لأن صغيري مازال مستيقظاً لأقضي معه بعض الوقت قبل أن يخلد لنومه، فوجدت زوجتي تبذل حيلها كي تقنعه بتناول طعام العشاء، وتغريه بقطع الطماطم المنقوعة في الخل والكمون التي يعشقها عن سائر الأطعمة كي يأكل قطعة من اللحم، فعلقت جدته (أمي): "الأوطة غليت عشان خاطرك يا مصطفى"، فضحك الجميع إلا مصطفى الذي لم يستوعب كلامها وأستغل انشغالنا وبدأ يلتهم قطع الطماطم بسرعة أكبر حتى انتهى منها دون أن يأكل اللحم، الذي أصبح هو الأخر غالي لكن ليس بسبب مصطفى.. ربما بسبب الحكومة.
هوامش :
(1 )
سوهاجي يمزق جسد زوجته لعدم قدرته على شراء كيلو طماطم .. (المصدر: جريدة الشروق)
"بعد ضحايا العيش وأنبوبة البوتجاز، وفي ظل هوجة ارتفاع سعر الطماطم التي توصف في الأوساط الشعبية بـ ''المجنونة''، انهى زوج سوهاجي حياة شريكة حياته بعد أن طالبته بشراء كيلو طماطم ولم يقدر على تلبية طلبها نظراً لأسعار الطماطم التي بلغت عنان السماء.
استل السيد على خضر ''38 سنة'' من قرية المشاودة البحرية بجرجا في سوهاج ويعمل أجرياً، سكيناً ومزق به جسد زوجته عايدة إبراهيم جمال ''21 سنة''بعد أن طالبته قبل ذهابه للعمل صباحاً بضرورة إحضار كيلو طماطم معه عند رجوعه من عمله".
(2 )
زوج يلقي بزوجته من الطابق الثاني بسبب الطماطم في بولاق الدكرور.. (المصدر .. جريدة الأهرام )
"ذكرت صحيفة مصرية أن مصريا ألقى زوجته من الطابق الثاني، بعد أن طالبته بزيادة مصروف المنزل بسبب ارتفاع سعر الطماطم. وأوضحت صحيفة "الأهرام" أن أحداث هذه الواقعة شهدها شارع عبد المنعم رياض بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة المصرية عندما نشبت مشاجرة بين الزوجة (ن أ م) وزوجها الموظف (ع س ع)، بسبب طلبها بزيادة مصروف المنزل، وإلحاحها في طلبها، رغم اعتذار الزوج لعدم قدرته، فقام بالإمساك بها وألقاها من شرفة المنزل بالطابق الثاني، ما أدي إلى إصابتها بإصابات بالغة، وتم نقلها في حالة سيئة إلى مستشفي بولاق العام لتلقي العلاج، حيث تعرضت لكسور وكدمات.
(3 )
إسرائيل وطماطم مصر .. (موقع اليوم السابع)
هل تقف إسرائيل وراء أزمة الطماطم في مصر، والتي كسر سعرها في الأيام الماضية حاجز العشرة جنيهات؟
السؤال طرحه عدد من مزارعي الطماطم في محافظة المنيا، وحسب ما نشرته جريدة "الشروق "في عددها الصادر أمس الخميس، فإن المزارعين أكدوا أن ندرة الطماطم وارتفاع أسعارها هو مخطط خارجي تم الإعداد له منذ سنوات، وقال المزارعون في ندوة عقدتها الغرفة التجارية بالمنيا، إن المخطط الخارجي بدأ تنفيذه منذ سنوات، بدفع المزارعين إلى رش الطماطم بمحلول إسرائيلي ممنوع من التداول بالأسواق، وكان يباع بالسوق السوداء، لكن المزارعين كانوا يفضلونه لأنه يعطيهم محاصيل أوفر رغم رداءتها، وقال المزارعون إنهم لم يكونوا يدركون المصيبة التي ستحل عليهم، وهى موت الطماطم في عرشها وفى موسم إنباتها، وطالب المزارعون بمحاسبة المسئولين عن إدخال هذه الأدوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق