الأربعاء، 15 يوليو 2009

الشحاته أدب

يبدو حزينا، وعندما تهم أن تسأله ينفجر في وجهك بعشرات الكلمات غير المفهومة التي من المفترض أن تفهم منها أن لديه مشكلة كبيرة أو أن هم ثقيل قد أضنى كاهله، ووفقا للخلق المصري الكريم، فإن سؤالك له سيكون بمثابة "فتح كلام"، و"عربون محبة"، يعطيه المبرر المنطقي لأن يلقي بسبب حزنه في رأسك، ليقلبه لك رأسا على عقب.
وقبل أن أحكى لكم سبب "قلبان" الدماغ، يجب أن تدركوا أثر الدراما سواء في السينما أو التليفزيون وقبلهما الإذاعة على شريحة كبيرة من المجتمع، وهو الأثر الذي جعل مهارتهم في التمثيل تفوق قدرات المواهب العظيمة في تاريخ الفن من أصحاب المقام الرفيع، أمثال جورج أبيض ويوسف وهبي، وعمنا الريحاني رحمهم الله أجمعين، ورحمنا من داء المسكنة والتنطع والمتاجرة بالمشاعر النبيلة، لاستنزاف الناس وكسب تعاطفهم، وربما كسب ما في جيوبهم.
إنها عادة الجميع الآن، الكل قالب وجهه الكريم، وعامل حزين، تسأل سواق التاكسي يحكي لك عن أخر مخالفة لسه دافعها في نيابة المرور والعربية اللي عليها أقساط والعيال اللي في المدارس وأمهم اللي بيشحت لها حق جرعة الكيماوي لأن عندها سرطان في الرحم "بعيد عنا وعن السامعين"، تسأل الموظف اللي أنت مديره وعايز تحاسبه على خطأ ما ارتكبه، فيرد بنبرة تحمل كل مأسي الدنيا، وعينيه قد ملأهما الدموع: "يا ريس أبويا في العناية المركزة وما نمتش طول الليل، وأمي يا ريس عندها .. "، ويبدأ في سرد ما لذ وطاب من أمراض،
وهكذا في كل مكان يمكن أن تقابل شخص يحكى لك قصة وهمية بغرض كسب تعاطفك، ولأن تعاطفك لوحده مش كفاية، كما يقول الإعلان التليفزيوني الشهير، فلا مانع من أن يطلب الموظف سلفة و سائق التاكسي يستسمحك في زيادة أجرته ليواجه أعباء الحياة.
وفي الشارع ستجد عشرات المرضى الذين يبحثون عن علاج، ومئات الغائبين عن محافظاتهم وقراهم يحلمون بالعودة إلى بيوتهم ولا يجدون غيرك لتتحمل هذه التكلفة.
أنه الأسلوب المصري العصري للتسول، و سبب سخطي على هذا النصب هو أنه يفسد علينا القدرة على التقاط أصحاب الحاجات الحقيقية ممن يستحقون الصدقة والزكاة وكل أشكال الخير التي نحتار ونتشكك في كل من نقدمها إليه بفعل هولاء الممثلين المهرة الذين يتربحوا من وراء وظيفتهم الملعونة هذه، أكثر مما يصل إليه خيالنا.
إن هذه المهارة التمثيلية في اكتساب التعاطف زادت وانتشرت بشكل غير مسبوق في كل مناحي الحياة، وأصبح من السهل على الكثيرين من أفراد المجتمع أن يلجئوا لمثل هذه الحيل تاركين وظائفهم وراء ظهورهم لأن ما يحققه التسول لهم أكثر بكثير من أي مصدر دخل أخر .

هناك 6 تعليقات:

  1. اولا..مبروك على المدونة
    :)

    ثانيا..العنوان"مدهش"
    ..كان واحده فى السفارة اليابانية مسئولة عن يرامج ومشروعات ..من بين المشروعات دى مشروع لربات البيوت
    المهم..انها اليابانية الى جايه من بلدهم،رفضت تيدى رأس المال للسيدات علشان "المصري فهلوي يضحك عليا بسهولة"
    واحتفظت فعلا برأس المال معها،وبدات تنظم لهم مصورفاتهم وهكذا..

    نخرج من الرغي ده ايه؟ بجملة أكيكو الشهيرة

    "المصري فهلوي"
    ...

    صباحك محُوج

    سارة ربيع

    ردحذف
  2. مبروك على المقالة
    لكن على فكرة دة مش قاصر فقط على المصريين دة فية اجانب وعرب بيمارسوا نفس الموضوع فى مصر يعنى الموضوع دة مش فهلوة مصرية بس دية بقت فهلوة عالمية

    ردحذف
  3. إيه يا باشا الجمال ده
    أحلي مفاجأة في أحلي صباح
    بس المشكلة الزمن وحش و الفلوس قليلة و زميلي في الشغل تعبات و مديري ....
    ملقيش معاك سلفة
    محمد ضيائي

    ردحذف
  4. نعم (الشحاته).. أدب ، وحيث أن الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف و أفكار و خواطر و هواجس الإنسان ، فقد صارت الشحاته سمة مميزة لهذا العصر الذي يشهد أسوأ الظواهر الاجتماعية والاقتصادية وأبرزها ظاهرة سوء توزيع الثروة ومن ثم صارت ( الشحاته ) - باعتبارها شكلا من أشكال إعادة توزيع الثروة- أحد أشكال التعبير الإنساني أي أنها صارت لونا من ألوان الأدب .
    وربنا يكتر من بلوجاتك ويجعله عامر

    ردحذف
  5. لو سمحت يا استاذ:
    اشهر جمل النصب ( الادب ) في الفتره الاخيرة
    لما تلاقي واحدة اخر شياكة وشكلها محترم جدا
    تلقطك ( تناديك ) بخبرتها في اختيار الاشخاص ،
    وانت ماشي مستعجل لانك متاخر كالعاده خاصة لو بتيجي من اخر بلاد المسلمين زي حلاتي وبتفكر في العذر الهتقوله لمديرك......
    وتقلوقفك لو سمحت يا استاذ ممكن لحظة،
    وتبدا في سرد القصيدة (راس مال اكل عيشها)
    والله انا من اسوان وكنت محتاجة نص جنية علشان اروح .
    علي اساس ان اسوان دي المحطة الجية فاهتروح بنص جنيه
    يبقي في اكتر من كده ادب اقصد نصب ......
    فكرة المدونه ممتازة ياريس
    وفي انتظار المزيد
    احمد شعير

    ردحذف
  6. موضوع يمسنا جميعا فعلا ـ ظاهرة التمثيل والكذب تفشيت لدرجة بات معها من المستحيل التعرف على الحالات المستحقة للمساعدة وانا شخصيا انتهى بي الحال للأسف الشديد إني أصبحت نادرا ما أقدم أموال لمتسول وبعد ما كنت أندد بدعوات البعض عدم تقديم أموال للشحاتين لعدم تشجيعهم على الاستمرار في التسول بدأت أقتنع بهذا الحديث وأطبقه، لكن هذا لا يمنع الشعور بالذنب أحيانا عند قراءة خبر عن شخص انتحر من شدة الفقر وأتساءل بيني وبين نفسي أني ربما مررت عليه ولم أساعده ـ يبقى السؤال الأكبر كيف يمكن التعرف على المحتاج الحقيقي؟؟؟

    ردحذف

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...