الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

اطفي النور يا سعد


كنتُ صغيرًا عندما التقطَتْ أذناي هذا الهتاف الشهير: «اطفي النور يا سعد...»، حاولتُ بعدها، ولسنوات ٍتاليةٍ، التعرُّفَ على سعد، وفَهْم سر مناداته بإلحاح لكي «يطفي النور»، وماذا يحدث عندما يسود الظلام المرجوُّ؟. وكبرتُ وفهمتُ أن «سعد» هو كلُّ مَن يضع نفسَهُ وسيطًا في صفقة مشبوهة، يتواطَأُ فيها على قناعاته، ويتمكَّن من «إغلاق كُبْس النور» لينتَشِرَ الظلامُ ويسودَ الحرام.

لم ينتقِص الهتاف الشهير من قيمة أيِّ شخص يحمل اسم «سعد» عندي؛ فبقي للزعيم الخالد «سعد» زغلول قدرُهُ وقيمَتُهُ، أما الأستاذ «سعد» الدين وهبة فهو مثلي الأعلى في تنوُّع الموهبة وتعدُّد العطاء في مجالات الإبداع مع قدرة فريدة على إدارة المؤسسات الثقافية، والكاتبِ الصحافيِّ الراحل «سعد» هجرس قيمة وقامة مهنية كبيرة، وكان له مكانةً خاصةً في قلبي، ورغم كل ما أُثِير أخيرًا، ما زلتُ من المعجَبين باجتهاد الدكتور «سعد» الدين الهلالي، ومحاولاتِهِ الإبحارَ عكسَ التيار، وصمودِهِ في معاركَ فقهيةٍ متعددة، منذُ صعودِهِ المفاجئِ، وظهورِهِ المسنودِ في المشهد الإعلامي بدفعة معتبرة من «سوبر ستار» الفضائيات الشيخِ خالد الجندي.

إلا أن «سعد» هذه المرة أخلفَ الوعد، وخذَلَ البعض، وأشعَلَ نيران معركةٍ فقهيةٍ من العِيارِ الثقيل، أحرقَتْهُ ومن خلفِهِ رعاة التجديدِ الكلامي البعيد عن الفِقْهِ الإسلامي، كما أن المعركة منَحَتْه عضويةَ جماعة «الإجابة تونس» الشهيرة، التي شَرَحْتُ دورها ومكانتها في مقال سابق.
وقد تأججَتْ النيرانُ بفعل تصديق مجلس الوزراء التونس خلال اجتماعِهِ مع الرئيسِ الباجي السبسي على مسوَّدة قانون الأحوال الشخصية الذي يتضمَّنُ أحكامًا بالمساواة في الميراثِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، وبعدها بساعاتٍ تطوَّعَ الدكتور الهلالي بعلمِهِ الغزيرِ مروِّجاً للقانون التونسي باعتباره نموذجًا مثاليًّا للتجديد، وخطوةً لا يقوى مجتمَعُنا المصري على فعلها، مؤكداً على أن القانون لا يخالِفُ الشريعة الإسلامية، وزاد الهلالي من أحاديثه الطيبة لتحلِيَة بضاعتِهِ (المطَّاطيَّة)، ليُدخِلَ البسطاء من عموم المسلمين في متاهاته الفقهية تحت لواءِ التجديد، فتعمى الأبصار في سائر الأمصار، ويسود الظلام.

ولأنَّ الأمر جَلَل، فلقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بيانًا حاسمًا حول قضيَّة «ميراث المرأة» رَفَضَتْ فيهِ كلَّ ما جاء بالقانون التونسي (ومحاولةَ التلبيسِ المصرية)، ووصفَتْ من يُرَوِّج لها بـ«المضللينَ بغير علمٍ»، كما أصدر فضيلة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام بيانًا للردِّ حول مشروعية المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، تواكب ذلك مع ردود فعل قوية منسائر علماء المسلمين داخل مصر وخارجها، رفضًا لهذا القانونِ المخالِفِ للشرعيَّةِ الإسلاميَّةِ، واستهجانًا لرأيِ أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور الهلالي، وقد تطوَّعَ مركزُ الفتوى الإلكترونيةِ بالأزهر الشريف للردِّ على آرائِهِ تفصيلًا، ومقارعته بالحُجَّة الشرعية، وتفنيد كل ما جاء في أحاديثِهِ الإعلامية حول قانون الميراث التونسي.

وبيان كبار العلماء ومفتي الجمهورية ومركز الفتوى وغيرها من آراء علماء الأمة، كلها متاحة تفصيلًا على معظم المواقع الإلكترونية (رغم تراجُعِ بعض المواقع عن نَشْرِ بيان هيئة العلماء بطريقةٍ غيرِ مفهومة)، وأقترِحُ على كل مسلم قراءة هذه الآراءِ وتفهُّمَها كي يُضيء نورَ عقلِهِ الذي أطفأَهُ هذا التيهُ الفقهي.

وكان أبلغ الكلام في هذا المقام، حديثَ فضيلةِ الشيخ علي جمعة، حيث أوضح في برنامجه التلفزيوني «والله أعلم» قائلاً: «إن الحكايةَ تحتاج لكلامٍ مفصَّلٍ في هذا المجال، أوله أنَّ تونس بلد لا ينصُّ في دستوره على أنه دولة إسلامية»، وأضاف مفتي الجمهورية السابق: «إن أستاذ الفقه المقارن الدكتور سعد الهلالي، الذي تحدث عن تقليدِ تونس في المساواةِ بينَ الرجلِ والمرأة في الميراث، لديه مشكلة منهجية في طريقته في عرضِهِ للآراء، وهي أنه يتكلَّمُ بشيء يناقِضُ أولُه آخرَهُ، وآخره أولَه، وهو يتحدَّثُ عن المساواة في الميراث من باب التراحُمِ، هذا حقٌّ يُراد به باطل، وهو يقول إن مصر لن تفعلَ ذلك وتقلّد تونس إلا بعد 30 سنة، أقول له (بعد الشر إن مصر تعمل مثل تونس)»، وختم فضيلته مخاطبًا الدكتورَ الهلالي: «ليسَ هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبل، (دا دين هنُسأل عنه يوم القيامة)».


*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 28 نوفمبر 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...