قبل عام طرحت فكرة، حول مدى إمكانية
أن يصل العلماء إلى «تطعيم طبي» يحمي ويقي من التطرف، كنت مدركاً أن الفكرة تبدو غريبة في عالمنا العربي، في الوقت الذي يحلِّق فيه علماء الغرب
ويطاردون أحلامهم للوصول إلى أهداف مشابهة، أكَّدَها تردد أنباء عن أبحاث سرية
تجري في مختبرات أوربية وأمريكية على عدد من الإرهابيين الذين تم القبض عليهم في
السنوات الأخيرة.
وقد أعادني للفكرة ولأفكار أخرى
مشابهة ترجمة نشرتها جريدة دولية، لمقالة تحليلية عن مجلة «نيوسانتيست» العلمية البريطانية، تناول
فيها الكاتب والصحافي بيتر بايرن ظاهرة التطرف والتشدد، وآراء العلماء والاختصاصيين
حول مختلف جوانبها. وكتب بايرن، الذي يعمل في ولاية كاليفورنيا الأميركية، مقالته أثناء
وجوده في مدينة الموصل أثناء الحرب على «داعش»، وهو يتوجه لنشر كتابه «علوم دولة الخلافة
الإسلامية» هذا العام.
وعن التساؤل حول دوافع الإرهابيين؛ أي
السؤال: «ما الذي يدفع الفرد إلى التضحية بالنفس من أجل فكرة؟»، يعرض الكاتب ما يقوله
سكوت أتران، العالم في الأنثروبولوجيا بجامعة أكسفورد البريطانية الذي شملت أبحاثه
مناطق كثيرة في العالم؛ حيث يوضح أتران قائلاً: «الجهاديون» يدمجون هويتهم الشخصية
مع المجموعة، ويتقبلون «الأفكار المقدسة». والأفكار المقدسة قيم لا يمكن لهؤلاء التخلي
عنها أو تبديلها بقيم مادية. ويقول أتران إن الأفراد الذين يؤمنون بمثل تلك القيم يحتلون
مكانة عالية؛ إذ إن كل أفراد المجموعات المتشددة يعدونهم أشخاصا يتمتعون بقوى روحية
تلهم كل المجموعة على العمل.
العالم من حولنا يلهَث وراء العلم والمعرفة
لتحقيق نتائج حاسمة وقاطعة للسيطرة على الإرهاب والقضاء على التطرف الديني خلال
أقصر فترة ممكنة، يشجعهم نجاحات واكتشافات علمية مؤثرة ذات صلة، منها تحديد بضع «طفرات
جينية» يمكن أن تُنبِئَ عن السلوك العنيف. حيث توصل باحثون بمعهد كارولينسكا في
السويد مؤخرًا إلى طفرتين جينيتين يبدو أنهما على علاقة طردية مع السلوك الإجرامي
العنيف، وذلك وفق ما نُشِر في العديد من الدوريات العلمية.
وبينما قال طبيب الأعصاب المعروف الدكتور
جراف مان في دراسة حديثة نُشِرت بمجلة «نيوروسيكولوجيا» إن «(المرونة الدينية) تعتمد
على صحة منطقة الدماغ التي تحكم الانفتاح»، فيما أكَّدَت أبحاث أخرى على أن إصابات
الدماغ المؤلمة قد تؤدي إلى نماذج بشرية أكثر تطرفًا في معتقداتهم الدينية، بينما أكد
علماء من جامعة نورث وسترن في إلينوي أنهم اكتشفوا وجود صلة بين الصدمة وعدم رغبة الشخص
في قبول أفكار جديدة، وهي صلة يقول الباحثون إنها تجعل بعض الناس أكثر حماسًا بشأن
إيمانهم. وفي الوقت ذاته، يعكف علماء الأعصاب على محاولة استخدام التصوير بالرنين
المغناطيسي لقياس النشاط داخل المخ لتكوين فهم أفضل لأنماط السلوك البشري، وربما
توقّع مَن الذي قد يُقدِم يومًا على ارتكاب عمل إرهابي.
يفتقر العلماء حتى هذه اللحظة إلى
تفهُّم عميق لآليات الاعتقاد والتطرف داخل المخ لكن جهودهم مستمرة (في العلن)،
وربما يتمكنون خلال أيام أو شهور(علم عددها عند الله)، من أن يصلوا على وجه
التحديد إلى جين أو نشاط معين بالمخ مرتبط بالنزعات الإرهابية، وإن كنتُ لا أشكّ في
أن العديد من وكالات الاستخبارات حول العالم تسيطر على فيض كبير من هذه المعلومات
العلمية النادرة، وأنهم قد اختبروها جيدًا، وهم مستمرون في العمل (سِرًّا) لكشف
التركيب الجيني والحيوي للمتطرفين، ثم ستكون قفزتهم الكبرى بإنتاج لقاح بشريّ أو حيوانيّ
يحتوي على أجسام مضادَّة لـ«فيروس الإرهاب»، أرجو ألا نفاجَأ في عالمنا العربي
بهذا «المصل» في الأسواق.. قريبًا.
إن مقالي هو محاولة، ربما تفتح
آفاقًا أمام نوعية مغايرة من الأفكار التي تحلِّق بعيدًا على استحياء في فضاء
خيالنا الفقير، وربما يحفز المقال أو الفكرة بعض علمائنا ليشقوا طريق البحث
العلمي، لحل معضلات حياتنا المعاصرة.