الخميس، 24 مايو 2018

الصراع السنوي على أموال الصدقات




هل يُعقَل أن يمتهِنَ مجتمع بأكملِه التسوُّلَ خلال شهر رمضان الكريم؟
لقد تحوَّلَ الأمر إلى ظاهرة مقلِقَة، أصبحَتْ تُطارِدُنا في الطرقات وعلى الفضائيات، إلحاح مستمِرّ ودعوات مختلفة للتبرُّع، تتخِذُ كلَّ أشكال التأثير الممكنة، حتى وصل الأمر إلى إسهامِ أحد المستشفيات في إنتاج مسلسل دراميٍّ تمَّ تصويرُه بداخلِها كجزءٍ من خطةِ تسويقِها، التي تهدفُ إلى مزيدٍ من التبرُّعاتِ.
لا شَكَّ أن حجم الأموال المقدَّرَةِ لتبرعات المصريينَ من الزكاةِ والصدقاتِ، التي تقترب من الملياراتِ الأربعةِ خلال رمضان فقط (والرقم على عُهدةِ كاتبِنا الكبير وحيد حامد في صحيفة «المصري اليوم»)، تثير شَهِيَّة الكثيرين، وتدفعُهم للتكالُبِ عليها، وهي أموال للأسف لا يعلم من تبَرَّعوا بها أوجُهَ صرفِها، ولا يعلمون أيضًا أن جزءًا معتَبَرًا من هذه الأموال أصبحَتْ تلتهِمُهُ الفضائيات المصرية على سبيل الإعلانات، بدلًا من أن تصل إلى مستحقيها الأصليين وفق النص القرآني في سورة التوبة: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»، صدق الله العظيم.
في عام 2013، دخلت في نقاش (فيسبوكي) مع الكاتب الكبير والصحفي القدير الراحل عبد الله كمال، حول قضِيَّةِ التبرُّع بأموال الزكاة والصدقة إلى الجمعيات الخيرية في ظِلِّ ما أثير حول انتماء بعض هذه الجمعيات وتبعيَّتِها لجماعة الإخوان المسلمين (المحظورة)، كنا في أوائل شهر رمضان الذي بدأ عَقِب أيام قليلة من بيان (3 يوليو) الشهير ثمرةَ ما سُمِّيت بـ(ثورة 30 يونيو)، التي عزَلَتْ محمد مرسي وأسقطَتْ جماعَتَه، فانكشَفَتْ مع هذا السقوطِ شبكةُ العلاقات الداخلية والخارجية (الأخطبوطية) التي شَكَّلَتها هذهِ الجماعة المارقة لتدعمَ وجودها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفضحت خيوط الشبكة هيمنتها على جزء كبير من أموال الصدقات عن طريق جمعيات شرعية مشهرة ومنتشرة في ربوع مصر، مما استدعى من الدولة مصادَرَة أموال عددٍ من هذه الجمعيات حتى لا تُستغلَّ في تمويل أنشطة إرهابية.
وفي حواري مع  الصحفي الراحل انبرى يُدافِعُ (اقتصادياً) عن أنشطةِ الجمعيات وأن هناك ضرورةً مجتمعيةً لتصريف أموال كثيرة، يعجز أصحابها في الوصول إلى مستحقيها وفق القواعد الشرعية، بينما كانت لي وجهة نظر (دينية) ربما يكون من المفيد إعادة طرحها، تزامناً مع الضجة المثارة هذا العام حول (الجمعيات) وأنشطتها وأموالها خاصة بعد التصريح "الغاشم" من مدير إحدى هذه الجمعيات والذي أكد فيه بـ (عنترية) يحسد عليها.. اختفاء الفقر من مصر.
في ظَنِّي أن على كل متبرع بالصدقات تأديةً لفريضة الزكاة (أو تطوُّع الصدقة)، أن يبذلَ قدرًا من الجهد في توصيل هذه الأموال إلى مستحقيها، فليس الغَرَض دفعَ المال فقط، ولكنّ هناك جزءًا تربويًّا شرعه الله في ركن «الزكاة» الذي هو من أركان الإسلام الخمسةِ، وهذا الجزء لا يتحقَّق إلا بالسعيِ والاجتهاد للوصول إلى مستحقيها، والتعامل معهم وإدراك حقيقة ظروفهم وأشكال معاناتهم، والتحرِّي عن ذلك بالاتصال والتواصل المستمر معهم، إن هذه العلاقة من شأنها أن تصنع الكثير في نفوسنا، سواء عند الغَنِيِّ أو الفقير.
وللأسف فإن قدرًا كبيرًا من الاستسهال عند كثيرٍ من القادرين، يتجسَّد في اكتفائِهِمْ بتوزيع أموال الزكاة على حساباتٍ بَنكِيَّة تخصُّ جمعيات خيرية، ويظنُّون أنهم هكذا قد قاموا بتطبيق الفريضة، ربما ألتمِسُ العذر لغير القادرين (صحياً) منهم، أو الأثرياء الذين تُستَحَقُّ عليهم مبالغ كبيرة للزكاة يصعب عليهم تصرفيها بشكل مباشر، لكن أن يكتفي المجتمع كله بالجمعيات، لتصريف أموال الزكاة، فتلك كارثة كبيرة وما نراه هذه الأيام يصدق على صحة رأيي في ضرورة أن يجتهد كل فرد في تصريف أموال زكاته بالبحث في محيطه عن مستحقيها.
بالطبع هذا لا يتنافي مع دورِ الجمعيات وأهميَّتِها، ولكنَّ عليها أن تجتهدَ لتنمي موارِدَها، ولا تكتفي فقط بالتبرعات، فالعاملونَ على هذه الأنشطة المجتمعية يُدرِكُون أن قانون تنظيم عملها قد أتاح لها وسائل متعددة لتقوم بتنمية مواردها.
ولا يفوتُني هنا أن أشجع كلَّ مبادرة شخصية يقوم بها مجموعة من الأهل أو الأصدقاء، لتصريف ما تيسر لهم من أموال الصدقات، ولكن أحذرهم من أن يحذوا حذو الكبار ويبحثوا عن الشهرة والإعلام، خاصة في رمضان (شهر التبرعات السنوي)، ظنًّا منهم أن هذا يطوِّر عملهم في الخير، ويفتح لهم أبوابًا جديدة، لأن تضخُّم عملهم سيضعُهُم مع الوقت تحت طائلة القانون، وسيدمِّر مشروعاتهم البسيطة القائمة على التواصل الشخصي المباشر مع أصحاب الحاجات، وهي خدمة رائعة تلبِّي حاجةً حقيقةً في المجتمع، ندعو الله لهم بأن تستمر أبوابهم مفتوحة طالما بقيت في الإطار المسموح به.
وكلّ عام وأنتم بخير.

*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 23 مايو 2018

الأربعاء، 9 مايو 2018

الفتوحات الآسيوية.. هل وصلت الرسالة؟



رسائلُ مهمَّة ومتعدِّدة ضمنَ ثمار الجولة التاريخية المهمة التي قام بها شَيخُ الأزهر، والتي زار خلالَها ثلاثًا من أكبرِ الدُّوَل الإسلامية وهي: إندونيسيا، وسنغافورة، وبروناي. وتأتي هذه الجولة الآسيوية تأكيدًا على حِرْص الأزهر الشريف على تفعيل دَوْرِه العالميِّ في إرساءِ وترسيخِ دعائمِ السلام والتعايُشِ المشترك بين الشُّعُوبِ والمجتمعات المختلفة، في مواجهةِ الإرهاب والتطرُّفِ الذي يُحاوِلُ استخدامَ الدينِ للتشويش على عقول الناس وتضليل الشباب من خلال المفاهيم المغلوطةِ التي تُنشَرُ باسم الدين.
وتجلَّتْ رسائل الزيارة خلالَ لقاءاتِ الإمام الطيِّب المتعددة مع كبار المسئولينَ في الدول الثلاث، وعبَّرَتْ عنها كلماتُ شيخ الأزهر المؤثِّرة والهادفة في كل دولة من دول الزيارة الثلاثِ، التي مَثَّلَتْ في مجموعها رسالةً متكاملة وهدفًا واضحًا لهذهِ الجولةِ المباركةِ، التي أظنُّها «فَتْحًا مُبِينًا»، إن شاء الله.
ففي العاصمة الإندونيسية جاكرتا، وفي خطبَتِهِ التي ألقاها في افتتاح المؤتمر العالمي حول الوسطيةِ في الإسلام، وَسْطَ جمعٍ غفير من عُلَماء المسلمين، وفى حضرة الرئيس الإندونيسى جوكو ويدودو، قال الإمام الأكبر: «إن الموضوعَ الذي أَشْرُفُ بالحديثِ فيه اليوم هو موضوعٌ بالغُ الخَطَرِ والأهميَّة، رُغم ما حفل به من أبحاثٍ ودراسات لا تكاد تُحصى، ورُغم ما طرقته الأقلام في الكتب والصُّحف والمجلَّات والمؤتمرات، حتى بدا وكأنه لم يَعُد يَقْبَل مزيدًا من البَحْثِ أو النَّظَرِ من كَثرةِ ما قِيلَ فيه وكُتِبَ عنه.. هذا الموضوع، القديم الجديد المُتجَدِّد هو (الوسطيَّة) التي تَرِد دائمًا مقرونة بالإسلام، إضافةً أو وصفًا، فيُقال: (وسطية الإسلام) كما يُقال إنَّه (دين الوسـطية). ومن المعلوم لدى المسلمين جميعا، أن الله تعالى وصف هذه الأمة بأنها أُمَّة وسط». وأوضح فضيلته في موضع آخر من محاضرته قائلاً: «إن منهج التعليم الأزهري منهج يمثِّل وسطية الإسلام التي قلنا إنها أخَصُّ وَصفٍ لهذا الدين القيم، والفهم المعتدل لنصوص الكتاب والسُّنَّة، ويرسِّخ في ذهن الطالب الأزهري منذ نعومة أظفاره ثقافةَ الحوار وشرعيةَ الاختلاف، مما يحول بينه وبين نزعة الغلوِّ والتعصبِ وانغلاق الفكر وجموده على رأى واحدٍ، ويُدرِّبُه على احترام الرأى الآخر، ويعَلِّمُه الفرق بين احترام المذهب واعتقادِه».
وفي احتفال المجلس الإسلامي السنغافوري بمرور 50 عامًا على تأسيسه، استهلَّ شيخنا الجليل كلمته التي ألقاها قائلاً: «أوَدُّ أن أُوضِّحَ في بداية محاضرتي أن زيارتي لسنغافورة ليس المقصودُ بها زيارة المسلمين فقط؛ بل هي زيارةٌ لشعبِ سنغافورة (مسلمين وغير مسلمين)، من أجلِ تدعيمِ وَحدَتِهم العظيمة، وعَيشِهم المشتَرَكِ، وتقديمهم نموذَجًا رائعًا للأخوَّة في الوَطَن وفي الإنسانيَّةِ، والعملِ يدًا واحدةً من أجلِ مُجتمَعٍ راقٍ مُتقدِّمٍ وقويٍّ». وأضاف الإمام الأكبر: «جِئْتُ لأحيِّي هذا النّموذَج الذي ضرَب أحسنَ الأمثلةِ في تحقيقِ السَّلامِ المجتمعي بين أفرادِ الشَّعب، وبينه وبين الشُّعوبِ المجاوِرَة، وأسألُ الله تعالى أن يُديم على هذا البلد أَمنَها وسلامتَها، وأن يَمُنَّ على البلادِ أجمع نِعمةَ الأمن والسَّلام».
أما في بروناي، فقد ألقى رئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر محاضرةً بمركز المؤتمرات الدولي بالسلطنة، بعنوان «تحديات الأمة الإسلامية في مواجهة الإرهاب»، حضَرَها سلطان بروناي وجميع وزراء الحكومة ونوابهم، إضافة لحشد من كبار المسئولين، وممثلين عن جميعِ الوزارات والهيئات وطُلَّاب الجامعات، ومما ذكره شيخ الأزهر في كلمته عن تعريف الإرهاب، أنّ «الإرهاب ظاهرةٌ شديدة التَّعقيدِ والغموض إذا ما رُحت تحاوِلُ التَّعرُّف على أسبابها الحقيقيَّةِ، أو تحاول البحثَ عن حلٍّ لهذا التناقض الشَّديد بين أسباب هذه الظاهرة ونتائجها». وختم رؤيته في علاج الظاهرة موضحاً: «علينا ونحن نتصدى لتحديات الإرهاب أن نَلتفِتَ جَيِّدًا إلى مناهج التعليم في بلاد المسلمين، وبخاصةٍ في مراحله الابتدائيَّةِ والإعداديَّة، وأن نُقدِّم الإسلامَ للنَّاشئة كما أنزله الله تعالى وبلَّغه رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا الإسلام الذي مَكَّن أتباعه من إضاءة العالَم وتمدينه وترقيتِه وتحضيرِه».
إن حُسن الاستقبالِ وكَرَم الضِّيافةِ والحفاوةِ التي حظي بها فضيلةُ الإمامِ الأكبرِ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والوفد المرافق له، خلال جولته الآسيوية، تعكس بشكل واضح قيمةَ الأزهر وشيخه الجليل، وتؤكِّد على قوة مصر الناعمة، وتُظهِر ملمحًا بديعًا من ملامح عظمة وَطَنِنا الغالي، وتجدِّد الثقة في أن الأزهر الشريف سيبقى أمل الأمة الإسلامية وقلعتها الحصينة لحماية الفكر الإسلامي.
* (كلمة «الفتح» وجمعها «الفتوحات» تعني في مقالي «النصر والإنجاز الباهر الذي يفضي إلى تقدُّم أكبر»، وهذا مما جاء في معنى الكلمة بمعجم المعاني، والله أعلم).


*نشر في جريدة «صوت الأزهر» بتاريخ 9 مايو 2018

التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...