الخميس، 4 فبراير 2016

كاريكاتير رئاسي: البقية في حياتك

أسعدتني المداخلة الفضائية للرئيس السيسي قبل أيام مع برنامج «القاهرة اليوم» أقدم وأشهر برامج الـ«توك شو» العربية، فقد أشاعت قدر من التفاؤل في أوساط الشباب، ورفعت الغضب من قلوب وعقول الكثيرين.
ولكني عاتب على الرئيس توصيفه حال الوطن بأنه أوشك على السقوط والضياع، فهذا هم نعرفه ونعيشه وسبق للرئيس مناقشته تفصيلا في أكثر من خطاب ولقاء جماهيري، وأظن أن اللحظة كانت تحتاج إلى حديث آخر، كما أري أنه من الصعب تقبل أن الـ50 عامًا الماضية من عمر الوطن كانت رحلة فاشلة أوصلته إلى حتمية البداية الجديدة.
كان هذا ما أكده الرئيس السيسي في مداخلته مع الإعلامي عمرو أديب، وزميلته رانيا بدوي، حيث قال: «إننا نعيش في بقايا دولة.. أشلاء دولة»، وأوضح أن الحالة التي وصلت لها مصر ليست من تراكم 30 عامًا، ولكن من 50 عامًا منذ عام 1967، وأضاف: «أنا قلت قبل كده، أنا باحاول في خلال أول أربع سنوات تثبيت الدولة ومنع انهيارها».


ندرك جميعا ما سبّبته السنوات الخمس الأخيرة في عمر المنطقة من تداعيات كبيرة ستؤثر على مستقبلها القريب والبعيد، وهو المعنى ذاته الذي طرحه مقال الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس بصحيفة «واشنطن بوست» المنشور قبل أيام تحت عنوان «هيلاري كانت على صواب بخصوص مصر»، يتعرَّض الكاتب فيه لما ذكرَتْه المرشحة المحتمَلَة للرئاسة ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، في كتابها «خيارات صعبة» الصادر عام 2014، الذي روت في أحد فصوله موقفها من المسألة المصرية خلال أيام ثورتها المجيدة في يناير (كانون الثاني) 2011.
جاءت كلمات كلينتون ساخرة وصادمة، عقب موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتخلي الكامل عن مبارك ومطالبته بالرحيل الفوري عن السلطة «الآن»، وبعد أن شرحت لرئيسها «كارثية» آثار موقفه ودعمه للإطاحة بالرئيس المصري رافضًا منحه فترة انتقالية حتى نهاية حكمه، علّقت قائلة: «قد يصبح الوضع على ما يرام في غضون 25 عامًا، لكن أعتقد أن الفترة بين الآن وآنذاك ستكون بالغة الصعوبة بالنسبة للشعب المصري، والمنطقة، ولنا».
إن حديث السيسي مع أديب كان موفَّقًا، ومن إيجابياته استشعار خطورة قنبلة «الأولتراس»، والحديث الصريح عن أزمة الشباب، وإدراك الرئيس أن الدولة فشلت في الوصول والتواصل الحقيقي معهم، وأخيرا جملته المهمة: «أنا مش زعلان من جاويش»، التي خفَّفت احتقانًا نخبويًّا يتصاعد بسبب الحصار المتزايد على الحريات بشكل مباشر أو غير مباشر.

إلا أن الإصرار الرئاسي على طرح هموم الوطن ومشكلاته وشجونه في كل الخطب واللقاءات الجماهيرية، يعيدنا إلى عصر الخطاب السياسي «الترهيبي» في أحاديث السابقين ناصر والسادات ومبارك (ومثلهم الجندي المجهول: طنطاوي، والرئيس المعزول: مرسي)، وكانت أغلبها تُبنى دراميًّا كالتالي: توضيح وتضخيم المصاعب، وإسهاب في شرح المتاعب، ثم يتخللها حديث أبويّ معاتِب، يعقبها دعابة تزيل المراتب وتمحي الرواسب، وختامًا (كطلقة رصاص): مصر بتحارب (..........).
وضَعْ بين القوسين: تحارب الاستعمار أو الإمبريالية (ألد أعداء ناصر) أو في اليمن، أو الصهيونية، أو حرب الاستنزاف، ثم تحارب العدو الإسرائيلي، أو حرب أكتوبر، أو الأرذال (من أقوال الرئيس المؤمن)، ثم تحارب الفساد، أو في العراق، أو الإرهاب، أو إنفلونزا الخنازير، ثم تحارب الثوار أو الفلول أو الأولتراس ثم تحارب «الصوابع اللي بتلعب» أو الفلول والثوار أو «البلاك نايتس» و«الأناركية» و«بانديتا»، ثم تحارب الإخوان والثوار وأخيرًا مصر تحارب الإرهاب (تاني) أو في اليمن (تاني) أو الفساد (تاني).
وطوال هذه الحروب يطلب منا كلّ رئيس أن نتحمل، ونتحمل، ونتحمل، ونتحمل.. وتحملنا 50 عامًا، وكانت النتيجة .. أشلاء.


وختاما: أسأل نفسي (قبل أن تهم وتفعلها): هل لديكِ أي نصيحة يمكن أن تقدمها للرئيس ربما يستفيد منها في خطاباته أو أحاديثه المقبلة؟

للأسف، لا توجد أي نصائح، لأن ما يقوله وسيقوله هو الكلام الحتمي الذي لا مفرَّ منه، فأحاديث الرؤساء مثلها مثله كل العبارات المرتبطة بطبيعة المهنة، فالطبيب مثلًا عقب خروجه من العمليات يقول لك: «البقية في حياتك.. أحنا عملنا اللي علينا والباقي كان على ربنا»، أما صاحب المطعم الذي يتحرش بك قبل أن تنهي طعامك: «ما تخلي.. الحساب بقى يا باشا.. عشان هانقفل»، وغيرها من الأمثلة المعروفة والمتداولة، التي لا بد منها كي تستقيم الحياة وتستمر.. وتستمر.. وتستمر.
===========
*نشر في صحيفة البوابة بتاريخ الخميس 4 فبراير 2016


التاريخ في حضرة الشامة (1) - 19 يوليو 2014

كنا في أواخر شهر رمضان، جاي لي تليفون من شخص  كنت شايف إنه أذاني جدا، واتسبب لي في اكبر خسارة حصلت لي في حياتي..  وكنت مسخر نفسي بادعي عليه ...