يطاردني إلحاح – لا يتوقف - من صغيري وقرة عيني مصطفى
الشهير بـ "صاصو" في رحلة عودتنا
اليومية من مدرسته إلى المنزل، في أن أحكي له حدوتة، ومع كثرة ما حكيت وأنا
أتحاشى جموح السيارات المحيطة بنا في طريق الأوتوستراد المزعج بجنون سائقيه، كانت للأسف
كل قصصي لا ترقى إلى مستوى تقديره فكان
يهرب من مللها في منتصف المشوار وينام وهو ما كان يصيبني باليأس المخلوط بالفشل.
كان هذا حالي طيلة الأيام الماضية من شهري فبراير ومارس،
أبدع كل يوم قصة جديدة وينام أو يهرب إلى IPAD ليقهر spider man،
وهو ما استفزني أكثر فقدحت زناد الإبداع الذي صدأ من فعل الصحافة وشرق أوسطها.. حتى
قفز أمامي فجأة .. حمادة رامبو*.. أشهر "صيع" حي روض الفرج، الحي الذي سقطت فيه رأسي وصعدت وترعرعت أحلامي وعشت
فيه أحلى أيامي، وقررت أن يكون حمادة هو البطل الأسطوري الجديد الذي أنسج من حوله
حواديتي للأستاذ صاصو، ولمزيد من الحبكة تذكرت زميل لي في المدرسة الابتدائية حكى ذات
مرة أنه وهو طفل كان يغافل والدته وهو يستحم ويشرب الشامبو، وكنت أصرخ من الصدمة
أنا وأقراني وقتها من هذا التصرف الغريب والمثير، وكان زميلي هذا أسمه حسن، فقررت
في لحظة تجلي درامي أن يكون أسم بطل حكاياتنا أنا وصاصو هو ((حسن رامبو.. اللي
بيشرب الشامبو))، كما دشنا مقدمة غنائية لهذه الحدوتة منحتها جاذبية خاصة ومن
سهولة اللحن حفظه صاصو وبدأ يردده في كل مكان، وإمعانا في الجاذبية قلت لصغيري إن
حسن رامبو سليتقي في حدوتة قريبة مع BEN 10 على سبيل الدعاية لشخصيتي الجديدة
لعلها تستحوذ على اهتمامه أكثر، وهو ما كان.
ونجحت الخطة وأصبح صاصو كل يوم يتشوق إلى مغامرة جديدة
من حكايات الولد "النوتي" التخين حسن رامبو المشاغب الذي يرتكب حماقات
وأخطاء كارثية ويأكل ساندوتشات زملاءه في الـ Class ويضربهم جميعا وهو يصرخ في وجوهم
بحركات Power Ringers،
وتبلورت أكثر شخصية حسن درامياً وحملتها بكل سلبيات الأطفال في هذه المرحلة
العمرية التي تشبه عمر صاصو، وأصبح حسن رامبو النموذج السىء الكريه الذي يتحاشى
أبني الصغير أن يصبح مثله أو أن يرتكب أخطائه، وهو ما حقق من قصة حسن أهدافا تربوية لم أتخيلها.
المشكلة الرئيسية، كانت في بركان الأسئلة الذي تفجره كل
حدوتة لدى صغيرى، فلم أدرك أنني اقتربت من منطقة محيرة بداخله تتعلق باستخدامه للقوة
والعنف، ومع متابعتي السريعة لكل الأفلام والبرامج التي يدمن مشاهدتها اكتشفت أنها
كلها مسلسلات معارك دامية، وكان رصدي له في اللحظات القليلة التي أنتظره فيها داخل
مدرسته يوضح أن أسلوب لعبه وتواصله هو وكل أقرانه بين أمرين إما "الضرب"
أو"الصراخ".
"يوسف ضربني وعلى خبطني ويحيى زقني، أعمل معاهم إيه
يا باباي؟ أنا مش عايز أبقى (نوتي) زي حسن رامبو اللي بيشرب الشامبو"..
تباغتني كلمات مصطفى وتقطع شرودي وانا غارق في أحداث مصر خلال عامين من عمر ثورتها الميمونة،
ولحظات كثيرة مرت علي مؤخرا وأنا أبحث عن طبنجة أو سنجة أو فرمنش لأضعهم في سيارتي ربما
أستطيع بهم الدفاع عن نفسي في دولة الفوضى التي أصبحنا نعيش فيها.
راقبت نفسي وتصرفاتي في الشهور الأخيرة، فاكتشفت أنني
أصبحت ميالا للعنف أكثر من رامبو الذي أحكيه لأبني، راقبت كل أصدقائي ورفاقي
وزملائي من العقلاء المهذبين فوجدتهم أكثر سوء مني، الكل يتأهب ويستعد لمعركة
حتمية أصبحنا جميعا نشعر باقترابها وتتشكل ملامحها في أفق وطننا التائه .
العداء بينك وبين أقرب الناس إليك يزداد، حالة من كراهية
الأخر تتأجج بداخلك ربما تكون وصلت إلى كراهية نفسك، أنها بشائر كارثة ننزلق لها
جميعا بقصد أو بدون ليس هذا مهم، المهم أننا كلنا شربنا الشامبو.. بدل ما نستحمى
بيه ونغسل خطايا 30 عام مع مبارك ..
يا صاصو ..
عشان تعيش في مصر يا أبني لازم تبقى حسن رامبو .. ومن إنهارده
مش هاحكي لك حواديت خلاص.. أنا هاخدك تتفرج على بلدك من المقطم للإتحادية ومن
التحرير لميدان الشهداء .. من إنهارده مفيش سبايدر مان وباور رينجرز وبن تن، في
أخوان وحازمون وجبهة وتيار شعبي.. وفي مسلم ومسيحي .. وفي ألتراس بكل فرقه .. في
بدو ونوبيين .. في سنة وشيعة .. فيه عندنا حتى المسلمين السنة منقسمين لجهاد
وجماعة إسلامية وقاعدة ودعوة سلفية وغيره من تفكيكات الإسلام السياسي، الإسلام يا
أبني اللي جمع القلوب في عهد أشرف الخلق عليه أفضل صلاة وسلام.. هو اللي تحت رايته
إنهارده هاتسيل دماء مصر والمصريين في حرب أهلية قادمة لامحالة.
أرفع سلاحك فوق .. أنت مصري ..
*رامبو: هو بطل سلسلة من أفلام
السينما الأميركية التي قدمها الممثل العالمي سلفستر ستالوني في نهاية الثمانينات
من القرن الماضي وحققت ناجحا ساحقا جعله نموذجا للقوة عند جيلي ممن أقتربوا من سن
اليأس وتخطوا الأربعين من عمرهم.